لماذا هذه المدوّنة؟

إطلاق المدوّنة: 27 تشرين الثاني 2014.
****************
للتذكير: سبق وأنشأنا مدوّنة هذا عنوانها http://arabicsagesse.blogspot.com/

رابط أغنية إنت المعنى (كلمات ماري القصّيفي - لحن روجيه صليبا)

رابط أغنية يا عواميد الحكمة السبعة (كلمات ماري القصّيفي - لحن إيلي الفغالي)

رابط أغنية فوق التلّة الما بتنام (كلمات ماري القصّيفي - اللحن والأداء لنادر خوري)

رابط أغنية يا حكمتنا (كلمات زكي ناصيف - لحن نديم محسن)

رابط أغنية يا عصافير النار (2019 - الصفّ الأساسيّ الثاني C)

رابط أغنية قصّة شادي وكتابو (2019 - الصفّ الأساسيّ الخامس A)

رابط أغنية نسّم علينا الهوا (2019 - الصفّ الأساسيّ الخامس B)

رابط أغنية نقّيلي أحلى زهرة (2019 - الصفّ الأساسيّ الخامس C)

رابط أغنية طيري يا طيارة طيري (2019 - الصفّ الأساسيّ الخامس D)

رابط أغنية أهلا بهالطلّة (2019 - الصفّ الأساسيّ الرابعِ A)

رابط أغنية شدّوا بالصنّارة (2019- الصفّ الأساسيّ الرابع B)

رابط أغنية طلّوا حبابنا (2019 - الصفّ الأساسيّ الرابع C)

الجمعة، 19 أكتوبر 2018

خطاب قسم الرئيس الياس سركيس - 1976 (الرئيس السادس بعد الاستقلال)



(2196 كلمة)

         دولة الرئيس 
         حضرة النوّاب المحترمين، 

    في هذه اللحظة، لا أملك شيئًا أقدّمه للبنانيّين سوى الإيمان بلبنان ينهض من الدمار بما أوتي من حيويّة وطاقات. 

     وفي هذه اللحظة بالذات أشعر بأنّي أمثّل إرادة وطنيّة رفعتني إلى المسؤوليّة الأولى، بوسعها أن تخلق دولة جديدة، بعد أن عطلت الأحداث وسائل نشاط ومظاهر سلطان الدولة اللبنانية. وفي هذه اللحظة، تبدأ مسيرة المستقبل، بإذن الله، هذه المسيرة هي استمرار للشرعيّة، والشرعيّة بمفهومها هي الاستقلال والسيادة والديمقراطيّة والحريّة. فبصيانة الاستقلال والسيادة والديمقراطية والحرية، أتعهّد وألتزم
     لنأخذ العبرة ممّا حصل في لبنان حتّى نتعرّف من جديد على رسالة هذا الوطن، وحتى نعرف كيف يسلم لبنان ويؤدّي رسالته. ورسالة لبنان التي توارثناها عن الجدود الذين ضربوا في هذه الارض أوّل معول وبنوا أول مدماك، هي أن يكون لبنان سيّد نفسه، خادم وطنه، رسول محبة ووئام، وناشر حضارة ومعرفة، نصير جارِه، شجاعًا، رائدًا في معارك الحقّ، أينما كان الظلم وعلى من كان.

     إنّي اعرف ما ينتظره اللبنانيّون منّي، وهم يعرفون ولا شك ما ننتظر منهم، وإنّ كلّ ما أنتظره وينتظرون، يبقى مجرّد آمال وأحلام، إن لم تكن الثقة، في البدء متكاملة متبادلة، تغسل القلوب وتطهر النفوس، وتصحّح العقول.
     إنّ من استشهد على أرض لبنان لن يعوّض، حسبه أنّه مات عن إيمان. أمّا الضحايا، فذاك كان قدرهم، في وطن تخلّت عنه الأقدار ردحًا من الزمن، ولكنّنا لن ننساهم. إنّه حقّ عليّ وعليكم، أن نفي الأرواح التي خطفتها المحنة حقّها وأولئك الذين سلبتهم القسوة جميع حياتهم، وكلّ إنسان حُرم فرصة السعي وراء الرغيف المشرّف المبلّل بعرق الجبين.
     أمّا الوطن الذي غيّرت معالمه المدافع فإنّنا نقف على مشارفه بحزن يشاركنا فيه العالم. إذًا، من إيمان بلبنان لم تزعزعه المحنة، وثقةٍ بشعبه لم تنل منها الأحداث، ومن التأييد الغالي الذي أوليتموني إيّاه، أستمدّ القوّة لتحمّل التبعات الجسام التي وضعتموها أمانة في عنقي، أعرف حقّ المعرفة، ضخامتها وصعوباتها.
     إنّ الإيمان بلبنان الواحد الذي يعلو الولاء له كلّ ولاء، هو أقوى ما نتسلّح به في مواجهة أزمة لم يعرف وطننا لها مثيلًا، وفي ضميرنا صوت الواجب للتغلّب عليها.
     إنّنا نمرّ في مرحلة تاريخيّة من حياتنا، لا أصعب منها ولا أشد خطرًا. والتحدّي الكبير الذي يواجهنا اليوم يكون في السؤال: هل نحن قادرون على الخروج من النار التي أحرقتنا طوال تسعة عشر شهرًا ونيّف، كما يخرج المعدن الأصيل أكثر وهجًا وأشدّ صفاء، أم إنّ تلك النار أذابت فينا القدرة والإرادة والعزم؟
     علينا أن نقبل هذا التحدّي ونقهره، وأن نخرج منه ومن المحنة ظافرين، ونقضي على العلل التي أضعفت كياننا، فنبعث لبناننا جديدًا معافى، وهو لبنان الذي نتطلّع إليه جميعًا. إنّ النزف المهلك الذي هدّ قوانا، والدمار الذي نزل بنا، والأحداث المروّعة التي عصفت ببلادنا، كل ذلك يحدو بنا لأن نشرع بابنا لبناء مستقبل زاهر. 

     بكلمة واحدة أقول: إنّنا بحاجة إلى بداية جديدة. إنّ الأحداث الجسيمة التي عانى منها لبنان ما عانى، لم تعد تجيز لنا الإبقاء على الكثير الكثير من الأساليب والسبل التي اعتمدناها وسرنا عليها حتى اليوم. لقد جمّدناها فجمدنا حيالها بدلًا من أن نطوّرها ونتطوّر معها، بينما سُنّة الحياة تفرض التطوّر دومًا نحو الأسمى والأفضل، وتأبى الجمود، لأنّ الجمود هو الموت، والموت هو نقيض الحياة. ويقيني أنّنا جميعًا متّفقون على أنّ ساعة الخروج من الجمود قد دقّت، وقد آن الآوان لمصارحة بعضنا البعض في حوار مخلص بنّاء، عاهدت نفسي على أن أكرّس حياتي لحمل اللبنانيّين على جعله وسيلتهم الوحيدة لفضّ نزاعاتهم، وحلّ أزمتهم، صغيرة كانت أو كبيرة. وفي يقيني أنّ هذا الوطن، رغم كلّ ما شهده وعانى، ما يزال يملك القدرة على النهوض، وعلى بناء نفسه أقوى وأعلى، سالكًا طريق الوحدة، نابذًا طريق الانقسام، مقبلًا بعزم على التطوّر والتجديد. وإنّي ارسم هنا الخطوط الكبرى للسياسة التي أؤمن بجدواها، والتي أتعهّد بأن أوجّه الحكم في اتّجاهها ضمن حدود صلاحيّاتي الدستوريّة.

إنّ الشرط الأساسيّ الذي بدونه لا يبقى أيّ مجال للتخطيط ولرسم السياسة المستقبليّة، هو إنهاء الاقتتال، بغية سلوك الطريق المؤدّي الى الحوار، ذلك الحوار الذي أعلنت إيماني به تكرارًا، حفاظًا على جوهر لبنان.
     إنّي عازم على القيام بدور إيجابيّ في سبيل الوصول إلى حلول سياسيّة نتيجة ذلك الحوار، تصون المصلحة اللبنانيّة العليا، دون أن تسيء إلى القضيّة الفلسطينيّة، فمهما اعترضت سبيلي من عقبات  فإنّي سأتّخذ دومًا الموقف الذي يفرضه عليّ واجبي الوطنيّ، وتحسّسي بمسؤوليّاتي.

     إنّي أرى أن الضرورة ملحّة، في المعطيات الحاضرة لإعادة النظر في أسس الحكم وأساليبه بنظرة أكثر واقعيّة، تراعي التطوّر العلميّ. فالتجربة المريرة التي عاشها لبنان أثبتت أنّ كثيرًا من الأمور يتطلّب تغييرها، انسجامًا مع تطوّر الظروف ومستلزماتها.

     إنّ مفهومنا التقليديّ للوطن أصبح بحاجة إلى تصحيح، فلم يعد الوطن طوائف ومناطق وشعبًا فحسب، بل أضحى تلك الوحدة التاريخيّة والجغرافيّة والإنسانيّة والمصيريّة، التي تؤمّن للمنتسب إليها سبل العيش الكريم، وقسطًا من الكرامة والطمأنينة والحقوق، مقابل ما ترتّب عليه من واجبات.
     يعيش العالم اليوم، عصر التحديّات الكبرى، وهو في سباق مع الزمن. فإذا فشل الحكم في مواجهة هذه التحديّات، لا بل في التغلّب عليها، فقد مبررات وجوده، وعرّض الوطن إلى التخلّف وإلى أخطار التفسّخ والانهيار. فمواجهة المستقبل ومعضلاته، أي مشاكل الغد، ومشاكل الأجيال الطالعة، هي في نظري، أولى الأولويّات. وهذه المواجهة، إمّا ان يكون شعارها الجرأة والإقدام أو لا تكون. 

     إنّ الأنظمة التي ترعى الحكم في لبنان، إذا ما استثنينا ركائز النظام الديمقراطيّ البرلمانيّ - وهو نظام نؤمن به واعتبر نفسي مؤتمنًا عليه - ليس فيها من المقدّسات ما يحول دون المساس بها، لتطويرها مع حاجة المجتمع اللبنانيّ.
     أمّا المقدّسات التي لا يجوز المساس بها، فهي في نظري، سيادة لبنان ووحدة أرضه ووحدة شعبه، وفي ما خلا ذلك فإنّي عازم على إدخال وتبنّي أيّ تعديل أرى فيه إسهامًا في رقي الشعب، وفي تقوية اللُحمة بين فئاته، وفي توفير أكثر ما يمكن من العدالة والمساواة بين اللبنانيّين والمناطق اللبنانيّة كافّة. 
والحريات العزيزة على شعبنا، والتي بها وعليها تفتّحت مواهبه، وتألّق مركزُه في العالم، هي في حاجة لأن نصونها، بحسّ المسؤوليّة الوطنيّة الذي هو دائمًا درع الحريّة الأقوى.


     أيّها السادة 

     إنّ ما يشعر به شعبنا، بعد المأساة، من حزن وألم، لِما أصابه في أرواح بنيه وممتلكاتهم، وفي مركزه المعنويّ في العالم، يحزّ في أعماق نفسي. إنّ آلام هذا الشعب، هي آلامي، وطموحَه هو طموحي. وإنّي لَمدرك ما على رئيس الدولة من مسؤوليّة كبرى في التوجيه والتخطيط لبناء لبنان الذي نريد. إنّ لبنان الذي نريد هو لبنان لا حرمان فيه، بل توازن اجتماعيّ كامل وكرامة موفورة، وقد سعت إلى ذلك جهودٌ مخلصة، قبل اليوم، وما زال أمامنا سعي طويل. إنّ التوازن الاجتماعيّ يحتّم علينا تأمين العيش الكريم لجميع المواطنين، ومحاربة التخلّف والمرض والفقر والبطالة والأميّة، فلا يكون في لبنان مُتْخَم على حساب جائع، ومترفِّع على حساب محروم، بل تكافؤ في الفرص للجميع، يتوافر معه لكلّ مواطن أن ينال ما يحتاجه من علم ومعالجة ودواء ـ

     لذلك علينا أن نفتح صفحة تليق بطموح هذا الوطن الذي نريده، وطن العلم والكفاءات، وطن فيه القانون سيّد وسلطان، لا يفضل فيه أحد أحدًا إلّا بالولاء والعطاء، ليطمئّن كلّ مواطن على حياته وكرامته وممتلكاته ومصيره، فتصبح المصلحة العامّة هي الغاية التي يلتقي فيه المجال أمام جميع اللبنانيين في التنافس الخير على أساس المساواة والكفاءة. وإنّني أتطلع إلى يوم قريب، يصبح فيه مستوى الثقامة والعلم والأخلاق والجديّة، المقياس الوحيد الذي يميز لبنانيًّا على آخر.
     إنّ الأهداف التي نسعى إليها، ليس بوسعنا تحقيقها دفعة واحدة، وبسحر ساحر، بل ستكون ثمرة عمل متواصل ودرس عميق، يسهم فيه جميع اللبنانيين، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأنظمة الماليّة والاقتصاديّة. وفي هذه المناسبة أؤكد ثقتي بالمبادرة الفرديّة. إن ضرورة المحافظة على حريّة المبادرة الفرديّة، يحدّها واجب الدولة في مراقبة القطاع الاقتصاديّ الخاصّ، وضبط المنافسة الحرّة، لئلّا تتحوّل إلى أداة فوضى واستغلال، فتعرّض المجتمع، بسائر فئاته، وخاصّة الفئات الضعيفة اقتصاديًّا إلى التداعي. كما أعلن أنّ من حقّ الدولة أن توسّع رقعة القطاع العامّ في بعض المجالات الاقتصاديّة، وأن تتدخّل لممارسة حقّ التوجيه في حالات طارئة، وبصورة محدودة، إذا قضت المصلحة الوطنيّة بمثل هذا التدخّل. 

     أمّا العلاقة بين رأس المال واليد العاملة، وهي حجر الزاوية في تشييد المجتمع الحديث وفي استقراره، فهي من الأمور التي تتطلّب منا سهرًا متواصلًا، وسعيًا دائبًا للوصول إلى حلول عادلة متوازية بحيث لا يقع الحيف على أيّ فئة من الفئتين. وبديهيّ أن يكون ازدهار المؤسّسة شرطًا أساسيًّا لحمل أرباب العمل على توظيف أموالهم، وبالتالي لإيجاد العمل لليد العاملة. كما أنّ أجور اليد العاملة لا بدّ أن تكون على مستوى يتناسب مع الإسهام الذي يكسبه العمل في الانتاج.


     إيّها السادة، 

     إنّي أمدّ يدي إلى جميع اللبنانيّين، وأدعوهم إلى التلاقي في عمل وطنيّ جامع، تذوب فيه الخلافات، وتنقشع معه في النفوس غيوم المعركة، ليحلّ محلّها صفاء القلوب. إنّ المحبّة تبني والبغضاء تهدم. ولن يقتصر البناء على العمران فوق أرض لبنان، بل يجب أن يتجاوز ذلك إلى بناء الإنسان فيه. ولم يعد خافيًا أنّ التوظيف في الإنسان هو الأساس، وأنّ هذا التوظيف يثمر، حتّى على الصعيد الاقتصاديّ، ولو على آجال متوسطة وطويلة. وفي هذا المجال، تتجه أفكاري إلى الشباب، إذ علينا أن نعمل ليسهم الشباب إسهامًا خلّاقًا في تكوين الغد، والشباب هو الغد. وهذا يفرض علينا اعتماد سياسة تربويّة وثقافيّة سليمة ومتطوّرة، ترمي إلى رصّ جميع أبنائنا في صفّ واحد، متناسق التفكير، موحّد الاهداف. فإلى أجيال الشباب أقول أن لا غنى للبنان عنكم، وأنّكم لن تكونوا على هامش الأحداث. إنّ الوطن بحاجة إلى حيويّتكم، إلى إيمانكم، إلى علمكم. كما إنّي أمدّ يدي إلى إخواني المغتربين الذين توزّعوا جميع أقطار العالم، فكانوا خير رسل للبنان. من مدننا اللبنانيّة العريقة في مدنيّتها عبر التاريخ، ومن قرانا الصغيرة الخضراء، انطلق لبنانيّون، برز منهم في ديار الاغتراب، فلاسفة وأدباء وشعراء وحكّام وشيوخ ونوّاب وقادة عسكريّون، ورجال علم واقتصاد وصناعة ومال. إنّهم يشكّلون طاقات فاعلة، مدعوّة لأداء دورها، لا أقول لأداء واجبها، في إعادة تعمير لبنان وكما كانوا موضوع فخرنا واعتزازنا، فهم كذلك، موضوع أملنا وثقتنا، لأنّهم لن يتأخّروا عن تلبية نداء لبنان حيث يدعوهم إلى الإسهام في بعثه من جديد.

     أيّها السادة، 
     إنّ الخطوط الكبرى للسياسة التي رسمت، لا يساعد في تحقيقها إلّا جوّ من الأمن المطمئن. إنّ إعادة الأمن إلى البلد، والطمأنينة إلى نفوس أبنائه، هو مطلبنا جميعًا، ولن تتحقّق هذه الغاية إلّا بتعاون مخلص يسمح لنا بإعادة بناء الجيش وقوى الأمن على أسس تجعل منها قوى متضامنة، متكافلة، تعمل لوطن واحد، وتكون مؤهّلة بعددها وعدّتها وإعدادها للدفاع عن الوطن وحفظ الأمن فيه. 

     
      أيّها السادة، 

     إنّ لبنان لم يبتعد يومًا في آماله وآلامه عن واقعه العربيّ. فقد رسمت له طبيعة انتمائه إلى هذا الواقع دورًا مصيريًّا، هيّأه له القدر، واختاره هو كذلك بنفسه اختيارًا، وبقوّة هذا الاختيار، حمل المشعل عملًا وفكرًا واقتصادًا وسياسة. ولبنان، هذا البلد العربيّ سيكون المتلزم الوفيّ بكلّ قضيّة عربيّة، ودوره في أسرته العربيّة لا يختلف عن دور أيّ عضو فيها، حقوقًا وواجبات.

     وقضيّة فلسطين بالذات قضيّة لبنان، كما هي قضيّة أيّ بلد عربيّ، وكما تقتضي أن تكون قضيّة أيّ بلد يعرف معنًى للحقّ والعدالة. ولم يبخل لبنان بأيّ جهد وتضحية، مستفيدًا من خصائصه الذاتيّة، ليقوم بدوره في مجابهة الخطر الإسرائيليّ ويساعد الشعب الفلسطينيّ على بلوغ أهدافه الوطنيّة، فيستردّ أرضه، ويعود إلى وطنه، فتنعم المنطقة عند ذلك بالأمن والسلام.
     إنّ علاقة لبنان مع المقاومة الفلسطينيّة وما نتج عنها من تقاتل وأحداث، ما تزال تتفاعل على أرض هذا الوطن، ويجب أن تُعالج على أسس من الصحّة ومن الصراحة والثقة، تُحترم معها سيادة الدولة وحرمة المواثيق والاتّفاقات، لتَحول في المستقبل دون أيّ تجاوز، فتصان مصلحة لبنان، وتسلم القضيّة الفلسطينيّة من كلّ أذى. 
     وإنّ لبنان المستعيد عافيته، لن يكتفي بالعلاقات الصافية بينه وبين أشقائه العرب، بل سيحرص على أن يكون عامل تقريب وتضامن لما فيه خيرهم وخيره، وهو يأمل، في المقابل أن يعي أشقاؤه دقّة ظَرفه، وأن يساعدوه بإخلاص وصدق على اجتياز هذه المرحلة الصعبة من تاريخه. ونحن، إذ نسجّل للدولة الشقيقة علاقاتها الخاصّة بنا في إطار ما تحتّمه الأخوّة والجوار والنضال المشترك، من تلاق وتكاتف وتعاضد. 

     أمّا وجود القوات السوريّة على الأراضي اللبنانيّة، فهو ضمن هذا الإطار بالذات. وباستطاعتي أن أعلن، أنّ مستقبل هذا الوجود، وكلّ ما يتصل به، يخضع للسلطات الدستوريّة اللبنانية التي لها أن تتّخذ حياله، بموجب المسؤوليّات الملقاة على عاتقها الموقف الذي تراه متوافقًا مع المصلحة اللبنانيّة العليا في الظروف القائمة.

إنّنا نمدّ يدًا مخلصة إلى جميع الأشقاء، لنسعى معًا بروح الإخلاص والتآخي لخدمة قضايانا المشتركة وفي رأسها المأساة اللبنانيّة، ممّا يحتم السعي الصادق والمخلص للخروج منها، وبديهيّ أنّ التعاون الصادق يخدم جميع قضايانا العربيّة.
     إنّنا نسجّل أيضًا لجامعة الدول العربيّة ولمنظمة الأمم المتحدة اهتمامها بمأساتنا. كما أنّنا نذكر بالتقدير، العاطفة التي أبدتها دول صديقة، والمساعي الجادة التي بذلتها لمعاونة لبنان على الخلاص من محنته ولا غرابة في ذلك، لأنّ لبنان كان وسيظل منفتحًا على العالم، أمينًا للقيم الإنسانيّة والحضاريّة، وفيًّا لالتزاماته الدوليّة. وهنا أودّ أن أسجّل لهذ الوطن الجريح ظاهرة، إن دلّت على شيء، فإنّما تدلّ على إرادة الحياة والاستمرار، وذلك بتعلّقه بنظامه البرلمانيّ الحرّ، وفي محافظته على جوهر هذا النظام، وبتمسكه بمبادىئ الشرعيّة، بالرغم من المأساة التي يعيشها.

     ومن الطبيعيّ أن تتّجه أفكاري الآن إلى سَلَفي الكريم الرئيس سليمان فرنجية الذي نسجّل له إيمانه بلبنان ونظامه، ذلك الذي لم تزعزعه الظروف القاسية والمصاعب الجسام التي واجهها البلد والتي لم تنل من ثقته بالوطن حتّى في الأيّام الصعبة التي لا يطيب الحكم فيها لأيّ حاكم. 
     أيّها السادة، 
     إنّ أروع ما يقدّمه لبنان لنفسه وللعالم ولكلّ من آمن به، هو مشهد التجديد والانبعاث لوطن طالما يُسرّت له عبقريّة وحيويّة بِنيّة الاستمرار والنهوض من المحن. وإنّه لشرف لنا جميعًا، أن نطلع على العالم، من جوّ المحنة القاتم المكفهرّ، بالإطلالة المشرقة والخطوة الواثقة، لنعود إلى أصالتنا اللبنانيّة، إلى فضائل شعبنا، مرتفعين فوق الحقد والضغينة، عاملين بعزم وتفانٍ، يدًا واحدة، لإعادة بناء صرحنا اللبنانيّ على قواعد متينة من وحدة شعبه الصادقة مع نفسها، ليعود لنا ذلك الصرح الجميل، أثبتَ بُنيانًا وأشدّ تألّقًا وأكثر انفتاحًا على عصره.

حضرة النوّاب المحترمين 

     هذه مسؤوليّتي أمام الله ووطني وضميري، سأعمل جاهدًا، مسترخصًا كلّ تضحية، حتّى ينجلي الطريق أمام وطننا، وتُذلّل العقبات. وقد رهنت كلّ لحظة من عمري، من أجل النهوض بلبنان، لا ليعود كما كان فحسب، بل ليصبح الوطن الذي نريده، والذي سيتحقّق بإذن الله، وبإرادتنا جميعًا. 

     ليكن هذا هدفنا، ولتبقَ أمام أعيننا صورة آلاف الضحايا، وليكن لنا منها عبرة وهداية، فإذا اهتدينا إلى سواء السبيل، سبيل العقل والمحبّة والضمير، لا تكون تضحياتنا قد ذهبت سدًى، بل يكون شهداء لبنان اليوم قد ماتوا ليعيش لبنان.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق