دولة رئيس مجلس النوّاب،
دولة رئيس مجلس الوزراء،
حضرات النوّاب والوزراء،
حضرة رؤساء وأعضاء السلك الدبلوماسيّ،
أيّتها اللبنانيّات
أيّها اللبنانيّون
إلّا أنّ الخلل السياسيّ المتمادي، والشغور المديد في سدّة الرئاسة، حملاني على أن أتوجّه من خلالكم، وبالمباشر إلى الشعب اللبنانيّ العظيم الذي كان دومًا على الموعد معي، والحصن المنيع الذي ألجأ اليه في التعهدات الكبرى والخيارات المصيريّة.
إنّ من يخاطبكم اليوم، هو رئيس الجمهوريّة الذي أوليتموه، مجلسًا وشعبًا، ثقتكم لتحمّل مسؤوليّة الموقع الأوّل في الدولة، الآتي من مسيرة نضاليّة طويلة لم تخلُ يومًا من المسؤوليّات الوطنيّة، سواء في المؤسّسة العسكريّة التي نشأ في كنفها وتبوّأ قيادتها، أو في ممارسة السلطة العامة بالتكليف الدستوريّ، أو في الشأن العام بالتكليف الشعبيّ. رئيسٌ أتى في زمن عسير، ويؤمل منه الكثير في تخطّي الصعاب وليس مجرد التآلف والتأقلم معها، وفي تأمين استقرار يتوق إليه اللبنانيّون كي لا تبقى أقصى أحلامهم حقيبة السفر.
إنّ أوّل خطوة نحو الاستقرار المنشود هي في الاستقرار السياسيّ، وذلك لا يمكن أن يتأمّن إلّا باحترام الميثاق والدستور والقوانين من خلال الشراكة الوطنيّة التي هي جوهر نظامنا وفرادة كياننا. وفي هذا السياق تأتي ضرورة تنفيذ وثيقة الوفاق الوطنيّ، بكاملها من دون انتقائيّة أو استنسابيّة، وتطويرها وفقًا للحاجة من خلال توافق وطنيّ. ذلك أنّها، في جزء منها، دستور، وفي جزء آخر، تعهّدات وطنيّة ملزمة، ولا يمكن بالتالي أن يصار إلى تطبيقها بصورة مجتزأة، فينال منها الشحوب والوهن، ولا يستوي في ظلّها نظام أو حكم، ولا تنهض عنها شرعيّة لأيّ سلطة.
إنّ لبنان السائر بين الألغام لا يزال بمنأى عن النيران المشتعلة حوله في المنطقة. ويبقى في طليعة أولويّاتنا منع انتقال أيّ شرارة اليه. من هنا ضرورة ابتعاده عن الصراعات الخارجيّة، ملتزمين احترام ميثاق جامعة الدول العربيّة وبشكل خاصّ المادّة الثامنة منه، مع اعتماد سياسة خارجيّة مستقلّة تقوم على مصلحة لبنان العليا واحترام القانون الدوليّ، حفاظًا على الوطن واحة سلام واستقرار وتلاقٍ.
وسننتعامل مع الإرهاب استباقيًّا وردعيًّا وتصديًّا، حتّى القضاء عليه، كما علينا معالجة مسألة النزوح السوريّ عبر تأمين العودة السريعة، ساعين أن لا تتحوّل مخيّمات وتجمّعات النزوح إلى محميّات أمنيّة. كلّ ذلك بالتعاون مع الدول والسلطات المعنيّة، وبالتنسيق المسؤول مع منظّمة الأمم المتحدة التي ساهم لبنان في تأسيسها، ويلتزم مواثيقها في مقدّمة دستوره. مؤكّدين أنّه لا يمكن أن يقوم حلّ في سوريا لا يضمن ولا يبدأ بعودة النازحين. أمّا فيما يتعلّق بالفلسطينيّين فنجهد دومًا لتثبيت حقّ العودة ولتنفيذه.
إن استثمار الموارد الطبيعية في مشاريعَ منتجة يؤسس لتكبير حجم اقتصاد حر قائم على المبادرة الفردية وعلى إشراك القطاع الخاص مع القطاع العام، وذلك من ضمن رؤية مالية هادفة ومتطورة.
كما أن الاستثمار في الموارد البشرية، وبشكل خاص في قطاع التربية والتعليم والمعرفة، يسهم في بناء أجيال يعول عليها لضمانة مستقبل لبنان الذي نطمح جميعاً اليه. حيث أن غنى لبنان الأساسي هو في إنسانه المنتشر في كل بقاع العالم، هذا الإنسان الذي ندين له باستمرارية رسالة لبنان ونشرها، كما في إنسانه المقيم الذي من حقه أن يعيش في بيئة سياسية سليمة وفي بيئة طبيعية نظيفة.
أما اللامركزية الادارية، بما تجمع من مرونة ودينامية في تأمين حاجات الناس وخدماتهم، مع حفاظها على الخصوصية ضمن صيغة العيش الواحد، فيجب ان تكون محوراً اساسياً، ليس فقط تطبيقاً لوثيقة الوفاق الوطني أو انسجاماً مع طبيعة لبنان، بل أيضاً تماشياً مع تطور نظم الحكم في العالم.
إن هذا الإصلاح الاجتماعي - الاقتصادي، لا يمكن له أن ينجح إلا بإرساء نظام الشفافية عبر إقرار منظومة القوانين التي تساعد على الوقاية من الفساد وتعيين هيئة لمكافحته، وتفعيل أجهزة الرقابة وتمكينها من القيام بكامل أدوارها.
ويبقى الأهم اطمئنان اللبنانيين الى بعضهم البعض والى دولتهم بأن تكون الحامية لهم والمؤمّنة لحقوقهم وحاجاتهم، وأن يكون رئيس الجمهورية هو ضامن الأمان والإطمئنان.
هذه هي العناوين الكبرى لعهد رئاسي أرغب صادقًا بأن يكون عهدًا تتحقّق فيه نقلة نوعية في إرساء الشراكة الوطنية الفعلية في مختلف مواقع الدولة والسلطات الدستورية، وفي إطلاق نهضة اقتصادية تغيّر اتجاه المسار الانحداري، وفي السهر على سلامة القضاء والعدالة، ما من شأنه أن يمهّد السبيل إلى قيام دولة المواطنة، بعد أن يكون كل مكوّن قد اطمأن إلى يومه وغده ومصيره في لبنان.
ربّ قائلٍ إننا قد تأخرنا في إنجاز ما حلمنا به وناضلنا من أجله وتشرّد لنا أعزاء في أصقاع الأرض وسقط لنا أحباء، شهداء وجرحى وأسرى ومفقودين، في سبيله. ولكن، كلي ثقة بأن اللبنانيين جميعاً، رغم إدراكهم أن الطريق شاق وطويل، لديهم العزم والإرادة والإقدام لنحقق معاً ما نذرنا له الحياة، وهو لبنان القوي الموحّد لكل أبنائه، لبنان الحرية والكرامة، لبنان السيادة والاستقلال، لبنان الاستقرار والازدهار، لبنان الميثاق والرسالة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق