(1225 كلمة)
السيّد رئيس مجلس النوّاب،
حضرات السادة النوّاب،
يوم أولاني هذا المجلس
الكريم ثقته الغالية بانتخابي رئيسًا للجمهوريّة وفي خضم ردّات الفعل المفعمة
بالآمال والمؤيّدة لهذه الثقة، اختلطت لديّ مشاعر الامتنان بحسابات المسؤوليّة،
ووجدت أنّني في بداية الطريق مطالب بالكثير، نعم مطالب بالكثير فحاولت استبعاد
موجات القلق التي لم تهدأ إلّا حين قلت لنفسي هذا موقع تستطيع فيه على الأقلّ أن
تفعل شيئًا لوطنك فاتّكل على الله واتّكلت.
أيّها
السادة،
في
وقفة كهذه تجهز كلّ القضايا والمشكلات دفعة واحدة حتّى لتكاد تضيع الأولويّات
ويحتار المرء من أين يبدأ وقد اخترت المصارحة بالأهم الذي هو أساس وجودنا حيث نحن
في الدولة، كسلطات ومسؤولين، عنيت به احترام القانون وتطبيقه. نعم، احترام القانون
وتطبيقه.
أيّها
السادة،
نحن في بلد الجميع فيه، حكّامًا ومحكومين،
كلّهم يشكون وكلّهم يشكّكون ذلك أنّ لغة القانون غائبة حينًا ومغيّبة أحيانًا، من
هذه اللغة أبدأ وإليها أنتهي.
أبدأ
من القسم الذي أدّيته أمامكم منذ لحظات وتعهدّت فيه باحترام دستور الدولة
والقوانين، وأجد أنّ رئيس الدولة هو الوحيد الذي يؤدّيه من بين السلطات فأتساءل
لماذا، واجيب لأنّ المشترع أراد أن يكون رأس الدولة تحت القانون فلا يعود لأحد
غيره أن يكون فوق القانون وسأكون تحت القانون.
أيّها السادة،
إنّنا كسلطات ومسؤولين موجودون حيث نحن
باسم القانون فلا يجوز أن يغفل عنّا في أيّ وقت وظرف وخصوصًا في قمّة الشعور
بعنفوان السلطة أنّنا إنّما نمارس ونطاع بقوّة القانون وليس بقوّتنا، نعم بقوّة
القانون وليس بقوّتنا.
أيّها
السادة،
لا مستقبل لأحد في هذا البلد، حاكمًا كان أم
محكومًا إلّا بقيام دولة القانون والمؤسّسات في ظلّ النظام الديموقراطيّ،
البرلمانيّ. وكما تعلمون فإنّ الناس يريدون التغيير، ولديهم أسباب معروفة ومحقّة،
وبقدر ما هو مستحيل أن يتمّ ذلك دفعة واحدة، بقدر ما هو غير جائز ألّا تكون هنالك
بداية، فماذا يريد النــــاس؟ الناس يريدون منّا نحن الحكّام والمسؤولين أن نحترم
تمثيلهم في كلّ مـــا نقول، وقولنــا مسؤول، وأن نجسّد ذلك في كلّ ما نفعل وفعلُنا
مسؤوليّة.
وهم يريدون، وعن حق، قضاء مُنَزَّهًا
ومستقلًّا عن كلّ أنواع التدخّلات والتأثيرات في أشخاصه وأحكامه، قضاء يحسب حسابه
الكبير كما الصغير.
ويريدون
إدارة تخضع لرقابة صارمة وتتميّز بالكفاءة والنظافة، يديرها مسؤولون يكتسبون
الحصانة من حسن الممارسة لا من قوّة الحماية السياسيّة والطائفيّة. يريدون
إدارة يشترون منها الخدمات بالضريبـــــة وليس بالرشـــوة والضريبة معًـا.
أيّها
السادة،
الناس،
كلّ الناس، يدركون عمق الأزمة المعيشيّة، وحقّهم حين نطلب منهم المساهمة في حلّها،
وهم مستعدّون، أن يسألوا عن نوع السياسة الاقتصاديّة والماليّة التي ترعاهم، ما هي
أعباؤها وكيف تراكمت والى أين ستقود؟ كما أنّ من حقّهم أن تكون لهم سياسة ضريبيّة
متوازنة وعادلة. تتوزّع فيها النسبة على الثروة فلا يحمل المحتاج أعباء المُقتدِر.
ايها
السادة،
الناس يريدون أن تكون الإنجازات خاضعة
للقوانين والأنظمة بحيث يزول كلّ شك وشكوى، وحقّهم أن يعرفوا كيف تُصرَف واردات
الضرائب وكيف تعصر النفقات، وكيف تُنفّذ الالتزامات والمشاريع. وكيف
تدار الأملاك الرسميّة، وكيف تراقَب الأموال العامة مراقبة إلزاميّة مسبقة في
صرفها، ولاحقة في تنفيذها، وحقّهم علينا أن نتقشّف قبل أن نطلب منهم التقشّف، وحقّهم
في الإجمــــال أن لا تكون الأرقام سرًّا من أسرار الدولة. وحقّهم وقبل أيّ شيء
آخر، أن يرَوا كيف يكافَأ الحريص والموفِّر وأن يرَوا كيـــف تُقطع يد السارق أيًّا
كان.
نعم،
وان يروا كيف تقطع يد السارق ايا كان، والمهدِر والمنتفع والمرتشي.
أيّها
السادة،
الناس،
ولا سيّما جيل الشباب منهم، يريدون اهتمامًا بالقضايا التربويّة والاجتماعيّة
والصحيّة والإنسانيّة والبيئيّة.
فلا
يجوز أن يكون الفقر مانعًا للعلم.
ولا
يجوز أن يكون الفقر مانعًا للصحّة.
ولا
يجوز أن يكون الفقر مانعًا للعمل.
ولا
يجوز أن يستمرّ الإجرام البيئيّ.
ولا
يجوز أن يبقى مهجَّر خارج أرضه.
ولا
يجوز أن ينسى المهاجر الوطن.
ولا
يجوز رهن السياسة بالطائفيّة.
أيّها
السادة،
والناس كلّ الناس، يريدون أن يعرفوا ما
بيننا وبين سوريا. نعم، يريدون أن يعرفوا، وحقّهم ولا سيّما جيل الشباب منهم أن
تنجلي عندهم التساؤلات، وأن يكون لديهم أجوبة. وإليهم أقول إنّه منذ اندلاع الحرب
- الفتنة عام 75، كانت لسوريا مبادرات متلاحقة وجديّة لوقفها. وكانت هنالك
بالمقابل مراهنات مضادّة، انساق إليها البعض وحوّلـــت لبنــــان إلى ساحة نزف
واستنزاف.
وأقول
أيضًا، لكلّ من لا يعرف الحقائق، وبالأخص لمن لا يريد أن يسمعها، أنّه لو أدرك
اللبنانيّون، لا سيّما بعض من كان منهم مسؤولًا حينذاك، لو أدركوا جوهر المبادرة
السورية التي أطلقها الاخ الحقيقيّ للبنان الرئيس حافظ الأسد لما استمرّ النزف
والدمار إلى الأمس القريب.
أيّها
السادة،
لقد كان خطأ سياسيًّا كبيرًا بحقّ لبنان،
نعم، بحقّ لبنان، أنْ تصرّف البعض في الماضي على أنّ العلاقة مع سوريا هي مراهنة
مرحليّة نستعين بها عندما نضعف، ونطعنها عندما نقوى، أو نسايرها حين تقوى، وننكرها
حين تضعف، متجاهلين أنّنا، إنّما نقوى معًا أو نضعف معًا.
إنّ
علاقتنا بسوريا، هي علاقة تاريخ وأرض وشعب. فلا يمكن أن تكون مراهنة أو مسايرة، بل
هي مصير وخيار. إنّ تجربتي في بناء الجيش زوّدتني بالإيمان والبرهان بأنّ سوريا،
بقائدها وشعبها وجيشها، تريد الخير للبنان، وتدعم الدولة اللبنانيّة دون حدود. فهلّا
عرف اللبنانيّون في موقع الحكم والسلطة أن يوظّفوا هذا الدعم لبناء دولتهم ومؤسّساتهم،
فيحبّهم الناس ويحبّون سوريا من خلالهم، بدلًا من توظيف هذا الدعم لأنفسهم،
فيدينهم الناس ويُساء إلى سوريا.
أيّها
السادة،
وأكثر
ما يريده اللبنانيّون، هو الجنوب، أهل الجنوب، نعم، الجنوب وأهل الجنوب.
فمِن
على هذا المنبر أحيّي الصامدين والمقاومين، أحياء وشهداء، والداعمين لجيشهم في
مواجهة الاحتلال الاسرائيليّ، وإليهم أقول، إنّ القضيّة الوطنية الكبرى هي أنتم وإزالة
الاحتلال عنكم.
لقد
آمن لبنان بأنّ السلام العادل والشامل والدائم، هو خيار استراتيجيّ وحيويّ. وشارك
من هذا المنطلق في مؤتمر مدريد على أسس تنفيذ قرارات الأمم المتّحدة ومبدأ الأرض
في مقابل السلام، وها أنّه قد مضت سنوات على هذا المؤتمر وإسرائيل لا تزال تستفرد
الأطراف العربيّة لتقيم مع كلّ واحد منهم نصف سلام، نعم نصف سلام يوحّد اسرائيل
ويقسّم العرب.
لقد جرّدت إسرائيل خلال الفترة الماضية
حملة سياسيّة وإعلاميّة واسعة لإظهار أنّ لبنان يرفض انسحابها من أرضه وفقًا
للقرار 425. أمّا الواقع أيّها السادة فإنّ لإسرائيل مفهومًا
خاصًّا لتنفيذ القرار 425 لا ينسجم مع المصلحة اللبنانيّة والكرامة الوطنيّة، لذلك
كان جوابنا أنّنا نرفض إعطاء ضمانات وترتيبات لانسحاب يريح إسرائيل على حسابنا،
وقلنا إنّ الضمانات من أيّ نوع كانت إنّما تكون من خلال السلام، كلّ السلام، وليس
نصف السلام.
إنّ
كلّ السلام في مفهومنا يعني أنّ للبنان مصلحة وطنيّة عليا ثابتة ودائمة ومصيريّة
تقضي، وأيًّا تكن الظروف والاعتبارات بتلازم المسار مع سوريا، على قاعدة الانسحاب
الإسرائيليّ الشامل من الجنوب اللبنانيّ والبقاع الغربيّ والجولان على حد سواء،
وفقًا لقرارات الأمم المتّحدة، وحينذاك يكون سلام بكلّ ظروفه ونتائجه على الجميع
بما فيها الأمن والمصالح الأخرى.
إنّ الدول العربيّة الشقيقة المشكورة لكلّ
ما قدّمت للبنان ماضيًا وحاضرًا هي خزّان المحبّة والأخوّة والدعم الذي نعتمد عليه
في مواجهة الأعباء المترتّبة عن الاحتلال الإسرائيليّ وللنهوض في مسيرة الإعمار
والتنمية. ولبنان المعافى رصيد لكلّ العرب، وكما هم
مساهمون في عافيته كذلك أبناؤه يعتبرون كلّ بلد عربيّ بلدهم.
إنّني
أتّطلع بأمل إلى أن يظلّ لبنان في صلب اهتمام أخوته العــرب بما يخفّف عنه تراكمات
الدمار الماضي وأعباء المرحلة الراهنة والمقبلة.
كما
أتّطلع إلى التعاون مع دول العالم الصديقة، وأخصّ بالشكر تلك التي دعمت لبنان في
مجالات الخبرة والاقتصاد والمشاريع والتنمية، وتلك التي تدعم لبنان في المحافل
الدوليّة، آملًا ان يكون مفهوم السلام العادل والشامل هو لغة التعاون التي على أساسها
نبني المستقبل.
أيّها
السادة،
أريد
أن يعرف الناس أنّنا في نظام ديموقراطيّ برلمانيّ يخضع فيه التغيير لمقاييس وأصول
وتخضع فيه السلطات لمبادئ وأحكام، تُحدّد الصلاحيات لكلّ منها وفي ما بينها بحيث أنّه
يستحيل على إحداها منفردة أن تُحْدِث التغيير المرتجى.
لذا
أقول للناس: أنا لا أدّعي أنّ لديّ عصًا سحريّة تلبّي الآمال بين ليلة وضحاها،
ولكن لديّ النيّة والإرادة، نعم، لديّ النيّة والإرادة، ويدي ممدودة للجميع في كلّ
ما هو خير وصواب وعدل.
وأقول
للناس: حتمًا ستكون هنالك بداية، نعم ستكون هنالك بداية، فلا تستعجلوا الأحكام على
الوجوه والأسماء أيًّا تكن وانتظروا الممارسة ففيها الجواب.
فأنتم
الحكم وإليكم الاحتكام،
أيّها
اللبنانيون، أنتم الحكم وإليكم الاحتكام.
عاش
لبنان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق