Camille Salameh
كان أبي يرعى الخرافْ...
يرعى خرافاً أنجبت هذي الخرافْ...
كان أبي يُخبرُني حكايا
عن نهاراتٍ رتيبةْ
عن مسايا...
عن شموسٍ عن أنجمٍ عن قمرْ
عن طبيعةْ، عن صخورٍ، عن بشرْ...
كان أبي يخبرُني حكايا...
حكايا تشبه كلَّ الحكايا!!
ما عدا: حكايةْ.
أشرق الوجهُ سرورا
سطع بيتُنا نورا.
بيتُنا، الكوخُ الصغيرُ، صار قصراً
صار غيمةْ، صارَ... فضاءْ!
كالفضاء الذي احتلّته نجمةْ
سطعت ذاك المساءْ
المساءَ الذي بدأت فيه الحكايةْ...
في ذاك المساءْ
رأيت خرافي تلتفتْ نحو السماءْ
كانت كأنّها... تضحكْ!
كأنّها سمعتْ صوتاً يقولْ:
انتهى عصرُ الذئابْ
لا تخافي، اطمئنّي؛
وأنا ايضاً، شعرتُ أنّي
أسمعُ صوتاً في السماءْ...
صوتاً!؟ لا هي أصواتٌ
تدنو مني،
ترفعني إليها،
إلى حنايا السمواتْ...
يا سمائي!! رُصِّعَتْ بنجمةٍ
كانت كما... لو أنّها تشيرْ
إلى من يراها: هيّا، اتبعني،
لا تسل أين تسيرْ
إلى سرّ البشارةْ،
إتبعِ الصوتَ
فتعبرَ كلَّ الصحارى...
أغمضتُ عينِي وبلمحةٍ
كنتُ والنورَ على بابِ مغارةْ!!
المغارةْ!
هل أتابعُ الحكايةْ؟
أم أنّكِ ستنامينَ في حضنِ القمرْ؟
- أنامْ؟! أيُّ قمرْ!...
هيّا أبي، تابعْ، أكملْ... ما الخبرْ؟
أبي، لأوّلِ مرّةٍ أرى وجهكْ:
أنتَ القمرْ!!
ماذا يشعُّ منكَ؟
عيناكَ ما عادتا كعيونِ البشرْ.
صرتَ... لستُ أدري...
أرى النورَ أنهراً حولكَ تجري،
تغمرُ الكوخَ الصغيرْ.
أرى من قلبك حباً يطيرْ.
أرى... أرى... أشياءَ لا اسمَ لها!
لأوّلِ مرّةْ في عينيكَ أراها!
أراهُ أمامي: إنّه هناكَ قربَ تلك الحجارةْ
في مذودٍ صغيرٍ في قلبِ مغارةْ:
المغارةْ!
أنا الآنَ أراهْ: ما أروعَ بهاهْ!
طفلٌ... ما أروعَ بهاهْ!
طفلٌ! لو لم يكن طفلاً لقلتُ:
هذا إلهْ!
يا إلهي! لم يعدْ في الكونِ سواهْ!!
أردتُ أن أدنو،
أن ألمسَ القشَّ القديمْ،
أن آخذَ منه قبضةً صغيرةْ،
كأنَّ القشَّ في بيتي لا يكفي...
مَن أوحى لي بأنَّ القشَّ من حولِه يشفي؟!
لا تسأليني، لا ردَّ عندي...
دنوتُ منهُ، شعرتُ أنَّ الكونَ لي وحدي.
وحدي!!؟ لا...
كانَ قبلي هناكَ ملوكْ!!
لا تنظري إليّْ... ليستْ خُرافةْ...
ملوكٌ أتَوا إليهِ من بعيدْ،
لم يعبأوا بألفِ مسافةْ ومسافةْ!
أتَوا إليه بهدايا،
ملوكْ! وأنا الراعي الفقيرْ أطلبُ قشّةْ؟!
أيُّ روايةْ!!
أيُّ جنونْ!!
"تراجعْ أيُّها الراعي تراجعْ!"
في لحظةِ الخوفِ هذهْ، ملأَ أرجاءَ المكانْ
صوتٌ حنونْ:
أين تذهبْ؟ اقتربْ منّي.
انتَ تطلبُ ابني
لن تُرَدَّ خائباً
إن أتيتَ طالباً
أو تائباً...
يمحو الحزنَ من عينيكْ
يحملُ عنكَ الهمومْ
يدفعُ عنكَ كلَّ شريرٍ غريبْ،
يحملُ كلَّ الخطايا
عنكَ، عن كلِّ البرايا
فوقَ خشبةِ الـ ...
سكتَ الصوتُ الحنونْ
سادَ في الدنيا سكونْ...
إقتربْ... هو الصوتُ من جديدْ..
أيُّ أفراحٍ، أيُّ عيدْ!!
واقترَبْتْ...
السيّدةْ!!
ناولتْني من سريرِ الطفلِ قشّةْ:
عينانِ من حنانْ
صوتٌ من لُبانْ
مرٍّ وذهبْ
قالت: لكَ هذهْ، لطفلتِِكْ، للعائلةْ،
لتكنْ في بيتِكمْ أوّلَ حبّةْ
لتكنْ أوّلَ بذرةْ للمحبّةْ.
عرفتُ أنّ من هذي المغارةْ
سيولدُ طفلُ البدايةْ
طفلُ الحكايةْ.
حكايةٌ وُلدَتْ صغيرةْ
وأنارت من حولها الأكوان
لا بالمرِّ، لا بالذهبْ، لا باللُبانْ
حكايةٌ أساسُها المحبّةْ
حكايةٌ تكتفي بالإيمانْ
ولو كان بمقدارِ... قشّةْ!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق