لماذا هذه المدوّنة؟

إطلاق المدوّنة: 27 تشرين الثاني 2014.
****************
للتذكير: سبق وأنشأنا مدوّنة هذا عنوانها http://arabicsagesse.blogspot.com/

رابط أغنية إنت المعنى (كلمات ماري القصّيفي - لحن روجيه صليبا)

رابط أغنية يا عواميد الحكمة السبعة (كلمات ماري القصّيفي - لحن إيلي الفغالي)

رابط أغنية فوق التلّة الما بتنام (كلمات ماري القصّيفي - اللحن والأداء لنادر خوري)

رابط أغنية يا حكمتنا (كلمات زكي ناصيف - لحن نديم محسن)

رابط أغنية يا عصافير النار (2019 - الصفّ الأساسيّ الثاني C)

رابط أغنية قصّة شادي وكتابو (2019 - الصفّ الأساسيّ الخامس A)

رابط أغنية نسّم علينا الهوا (2019 - الصفّ الأساسيّ الخامس B)

رابط أغنية نقّيلي أحلى زهرة (2019 - الصفّ الأساسيّ الخامس C)

رابط أغنية طيري يا طيارة طيري (2019 - الصفّ الأساسيّ الخامس D)

رابط أغنية أهلا بهالطلّة (2019 - الصفّ الأساسيّ الرابعِ A)

رابط أغنية شدّوا بالصنّارة (2019- الصفّ الأساسيّ الرابع B)

رابط أغنية طلّوا حبابنا (2019 - الصفّ الأساسيّ الرابع C)

الثلاثاء، 12 مايو 2015

تانغو الشجن - قصّة من تأليف خرّيج المدرسة إميل بو ديوان

إميل بو ديوان مع الراحل الكبير ريمون جبارة


بتذكر كتير منيح نهار لتصورنا فيها هل صورة. ما كان بدي إنشرها وخليها للذكرى بس يا ريت راحت الذكرى وإنت ضليت. بتذكر لما قلنالك عقبال المية وإنت قلت لأ ما بدي ، بدي تكون هيدي أخر سني صار لازم فل وبلش غبريال يبكي متل ما عم يبكي هلأ . بتذكر لسيجارة ل ما كان بدك تشيلها من تمك هي وعم ترجف مع ايدك. مش رح عيطلك أستاذ، رح عيطلك متل ما بيحكو الأساتذة مع التلاميذ بإسم العائلة . جبارة ... روح. بدن بالسما مخرج متلك. وإذا هونيك بموتو كمان، ما تفل .. نطرنا! (إميل بو ديوان - عن صفحته على الفيسبوك عند رحيل المخرج ريمون جبارة)



تانغو الشجن

        إنّ الإعجاب عابر سحريّ يروي غليل الملل في نزهة
ٍ بين جمرات الحب يبعثر من خلالها هدوء الوقت. يزرع - في أرض غير صالحة - ثمار حب، فيكون الحصاد مرًّا وما من ثمرة تنجو. ولكن ما بين الحزن والبكاء نفسٌ صغير يحاول الصعود إلى حالة تتمحور حول الانبهار والشوق. يصبح الإعجاب نظرية تشكّل هاجس الصداقة وقلق الحب وما من أحدٍ ينتصر ... ربما!       
***

هي ترقص. وفي رهبة الجو انخطاف محدود يجذبه، فتحوّلت خطواتها المدروسة دعسات في جمر كيانه حرّكت من خلالها نبضات الإعجاب ... ما من موسيقى أخطأت في حقّ الإنسانيّة. 
ظلّ مسمّرًا في أرضه حتى انتهت الرقصة. لم يعرف عنها شيئًا إلّا أنّها ساحرة فاتنة في كلّ ما للكلمة من معنى. ما الانبهار إلّا عشق الحواس؟ 
عشقت حواسه ما رأى وسمع ولازم الصمت في خجل الرجولة... إنّه رجل! 

***
الوصف مملّ في حالة استثنائية كحالته. هو أهمّ من الوصف لأنّ كلّ شيء فيه يصف ذاته. المهم أنّه ليس كاملًا وهذه ميزته الأولى. فبين لمعة العين والشموخ والهندسة في تكوينه يضيع الكمال ليجده، هو الحائر في دنياه، يتخبّط بين ما يريد وبين ما هو معلن على أساس أنّه صواب. 
هو ظاهرة فنيّة لا قبلها ولا بعدها بين الرجال. فلم أجد أحدًا يشبهه في التصرّف والتفكير. لعلّه درس جيّدًا كيف ينافس الحياة ليبهر المتفرّجين فيها. أتقن فنون المعاشرة والالتزام، وأوضح للناس أنّه في زاوية بعيدة عنهم ومن الصعب أن يكونوا هم فيها. لكنّه معهم في كلّ حين. يشبه نفسه في معتقداته التي يثابر على نشرها ويمتلك في ذاته قوة غريبة تدعمه ليصل إلى مبتغاه. 
كان شرقيّ النفس، يحلم ولكن ليس علنًا لأنّه يعتقد بأنّه من غير المسموح البوح بأسرار النفس للجميع. ما يملكه هو ليس كنزًا ماديًّا بل إنّه خرابٌ فتّان. يملك الاندفاع والثبات، يملك "فينيقيّة" الإبداع و"بورجوازيّة" الحلم. سيّد نفسه طبعًا وما من أحد يقوى على تغيير مجرى خطواته. ينابيعه تصبّ في البحر وعاشق البحر يعرف أنّ الوصول جميل ولكنّ طريق النبع أصعب من المصبّ في البحر.
ينقصه الكثير من الثقافة لكنّك كلّما كلمته تجد في مجلسه نخبة الثقافة، كأنّه لم يسافر إلى باريس لكنّه زارها في خياله واندفاعه من خلال كتاب بسيط.
السلطان هو الحكيم والكريم واللئيم، يخشاه الشعب ويفتديه بنفسه. إنّه الشعب وسلطانه الحياة. دارت به وعاتبته وألقت به في النار، فثار على نفسه وليس على الحياة وسمح للنار أن تلتهم مخالبه ليبقى هو الجمر في النهاية. يحرق لكنّه يفيد كثيرًا. إنّه لعبة الذكاء بعدد الخبرات القليلة.
علّاته كثيرة فهو عنيد إلى حد الملل. بشاعة النفس تقتل هدوء الروح. عنيد على أساس فوضويّ، مهمّ أنّه  إذا رفض شيئاً فلن يقبل به بعد الآن. عناده مأساويّ كأنّه يحتكر فكره لبعض الوقت فيخرج عن سيطرته ويندم بينه وبين ضميره.
يقيّد شهواته المشتركة رجوليًّا، فهو صوفيّ في معاملته مغريات الكون. يذهب بها إلى الحبّ وهذا لا يضرّه لكنّه يجلب له متاعب النفس بقدر كلمات القدح التي يسمعها من رفاقه الشباب. يخبّئ نفسه ويتسرّع أحيانًا في قراراته. كأنّه مجبول من التناقض. أيندم؟ لا أدري، لم أسأله يومًا لأنّه يعمل على إبراز النجاح حتّى في الفشل. كأنّه يقول لم أخطئ لكنني اخترعت طريقة جديدة وحسب.
غروره بريء جدًّا لدرجة أنّه يحاكي الضجر ولكنّه يغوى الغرور الجميل ولقد اقنعته أنه ليس بالسهل أن يكون هو إذا "ما بيشوف حالو " سوف يخسر براءة خجله. إنّه يتعلّم ...
***
ترفع رجلها اليمنى وتلفّها على رجل شريكها في الرقصة، ثمّ تثبّتها في مكانها وترفع يديها لتعانق وجهه في شغفٍ وهو يشمّ عبير شعرها فتستيقظ في داخله نشوة الفن ويشعر بخيانة يديها ليديه، فيسقط بيديها ويرمي بها أرضاً بعنفٍ فنيّ. إنه إنبهار التانغو. 
هذا كلّه لم يعنِ له شيئًا إلّا أنّه أراد معرفة اسمها ومن تكون. يريدها لأنّها  لم تكن مثل الأخريات. بدأ يطمح بملامسة شعرها كما فعل الشريك ويعانق عنبر ريقها وهي تلهث من تعب الأداء. يريدها وهو عنيد. لكنّه خجول لم يسمح لنفسه إلّا أن يلاحقها بنظراته من بعيد. كم هو شرقيّ، ينتظر فريسته مطوّلًا فيجمع عنها كلّ المعلومات ثمّ يصطاد.
***
تنفّست الصعداء على تصفيق الحضور لها ولم تلمح أحدًا. إنّها راقصة تانغو، هذا جزء من أدائها، أن لا تتخلّى عن الشغف في الأداء حتّى بعد انتهائه لأنّه نظريًّا لا ينتهي. 
كانت تعرف أنّ الهواء رفيقها مثل هؤلاء الذين يحوطونها من كلّ مكان. الشعبيّة جميلة لكنّها لا تبني  صداقة ولا حبًّا. هي لا تدري بوجودهم أصلاً عندما ترقص وهذا ليس كبرياء بل احتراف، كأنّها مأخوذة بفنّها لدرجة أنّها بوحدة تلاقي حبيب الأمل - إذا كان موجودًا- أو شعر نزار أو عنبر الأرض. انها مبدعة  ولا يمكن لتصفيق حارّ أن يفقدها تركيزها فهذا ليس جزءًا من الذاكرة الإخراجيّة للحالة الراقصة. 
لديها التميّز في النظر لأنّها تدرك أنّ من يريد الرقص لا كلام له إلّا في العيون. 
هذا كلّه جزء منها والجزء الآخر يحاكي شخصيّتها بعيدًا عن الرقص. كانت ذكيّة وقاتلة في ذكائها ولا دخل للعلم والحسابات في هذا الذكاء، لأنّه ليس مبنيًّا على أساس علميّ. إنّه ثقة في النفس تتأقلم معها الروح فتنتج ذبذبات ذكاء. هذا الذكاء الجميل يجري في العيون وفي اللسان فقط بعدما أن يكون تغلغل في درس العقل. لا أدري كيف نجحت في الحصول على هذا النوع من الذكاء وربما هي تصطنعه وسوف يزول، لكنّه الآن واضح كلّ الوضوح في كلامها وكيفيّة معاملتها.
فلسفتها غريبة كأنّها تبرز الأنوثة كعامل فكريّ وليس كميزة خلقيّة . ثمّ تتحدّث فتكتم أسرارها على طريقة علنيّة لا أحد يفهمها. لديها ازدواجيّة في كلّ شيء، وما نراه ما هو إلّا الجزء الذي تريد إبرازه وخلفه نور لم يسطع على أحد حتّى اليوم. 
تقول سهام شعشاع: "وبيستحي بعرف حبيبي بيستحي" وهي كذلك "بتستحي" بذكاء فترفع مستوى العمق في الكلام إلى مستوى غريب كأنّها تتهرّب من واقع قد أدركت نتائجه قبل أن يحدث. ربّما عليها أخذ الكثير من عنفوان سهام لتنجح في خوض تلك المعارك دون الهروب. 
***
اختفت هي بعد انتهاء الرقصة واختفى هو فيها. لم يعرفها ولم يجرؤ على ذلك إلّا من بعيد. في الحبّ لا مكان للحظّ إلّا من باب السخرية، ويبدو أنّ السخرية أعجبت به ففتحت بابها وأتى الحظ. رآها تقترب منه وتخيّلها مع تلك الابتسامة جاهزةً لتعترف له بسرّها وبأنّها رأته أيضًا خلال الرقصة. كأنّه فيلم أجنبي بنظام "slow motion". في لحظة سكت المكان ولم يعد يرى سواها تقترب. إخراجيًّا الفكرة مملّة فقد رأيناها في جميع أفلام الحبّ، ولن ألومه فهذا بديهيّ يحدث مع الجميع لأنّ العقل "مدموغ"، كما يقولون، بعقليّة الحبّ الهوليوديّة.
في الواقع اقتربت منه وليس إليه. 
كانت على صداقة مع رفاقه وهو جالس معهم فاقتربت وجلست أيضًا وهي تلقي التحيّة على هؤلاء الذين نسي أسماءهم بعدما تفوّهت بكلماتها الأولى. رجوليّته الشرقية قالت له إنّ الفريسة أتت إلى فخّها، ورجولته الفنيّة ضاعفت دقّات قلبه بشغف العيون. عاد هو إلى منزله "كأنّ شيئًا لم يكن وبراءة الأطفال في عينيه" ولكنّه لم يقل شيئًا، ابتسم لموعد مع الحياة وبدأ يصلّي كما يفعل دائمًا. 
                                                        ***
صراحة، لم تلمحه هي ولم تنتبه إلى لمعة عينيه. من الصعب أن تجد أحدًا يعشق من النظرة الأولى في هذه الأيّام. وهذا سبب عدم عثورها عليه. 
... أيعقل أن يعشقها من تلك اللحظة؟ كم أكره هذه العبارات التي تنبثق عن غباء العيون وتعطي الحقّ لنفسها بالادّعاء على الحب. الصمت أوجز. الصمت أجمل من الحبّ لأنّه الحبّ بعينه. الحبّ هو عشق النفس الأول، عشق العين الأول، هو الأوّل في كلّ عجائب الغريزة الراكزة. الحبّ هو نغم مقدمة أغنية " لا إنت حبيبي" لفيروز... كم هي رائعة تلك النوتات مجموعة قبل أن تبدع فيروز بتأديتها. 
هل يملك أحد القدرة على تفسير ذلك الشعور الصادر عن الموسيقى؟ كم فيه من كآبة ما يوازي السعادة والعشق والجنون والقوة والثورة والندم والخجل والانشقاق والشوق ولهفة الدموع. كيف لنا أن نفهم ونحن نؤخذ إلى خلف البحور مع كلّ أغنية كأنّها كتبت لنا. يقول نيتشه "الموسيقى ألغت احتمال أن تكون الحياة غلطة". أعتقد أنّ الموسيقى ألغت كلّ الاحتمالات وزادتها في آنٍ واحد.
فكلّنا وضعنا احتمالات لنهاية علاقاتنا أو بداياتها بعد سماع الموسيقى وكلّنا ثارت بنا الدنيا ونحن لم نستطع أن نثور على أنفسنا أوّلاً. لا عجب في خلق الموسيقى، إنّها كلام الخالق.
أعتقد أنّه لم يعشقها في تلك اللحظات لكنّه عشق الموسيقى التي كانت ترقص على أنغامها سابحة في آفاق الرغبة وفاتحة أبواب الإعجاب لمتفرّج لم يتقن لعبة الإخضاع. لا يهمّ إن كان الحظّ قد لعب دوره في تقريب المسافات بينهما لكنّه استفاد من ترابط الصداقة المشتركة وبدأ يبحث عن كلّ ما يجعله أقرب إليها. لم يرغب في أن يكون معها قبل أن تكون هي في عقله وقلبه. لقد أراد ان  يكتسب كلّ الخفايا ثمّ يواجهها ليؤمّن لنفسه سترة الوقاية من جميع ردّات الفعل العشوائيّة. 
من صديق إلى آخر استطاع أن يجمع عنها كلّ ما هو مهمّ. الإسم، المنزل، العمر، والأهمّ الحالة العشقيّة. كانت في حالة عشق مع التانغو فقط وأدرك أنّ التانغو لن ينافسه عليها ... ربّما، فتشجّع وبدأ يرقص.
***
في تلك الليلة، ليلة التعارف، كانت هي تلقي التحية لسبب واحد وهو مروان. كان جالساً إلى جانب عاشقنا الولهان وكانت هي تنشر سحرها ليصل إليه. ربما نثرت الكثير من السحر الذي لاقى طريقه إلى "بطل" قصتنا بدلاً من مروان. 
لا أدري كيف وصلت إلى مروان مع انني أعتقد أنه هو الذي وصل إليها .
نلتقي بهم دون أن ندري. نخاف ، نتنفس ثم نصارع طواحين" الهوى". يا لها من حالة "دون كيشوتية"
كان مروان صاحب الابتسامة الخلّابة التي يحسده عليها الجميع. لم تكن نتاج فرح بل كانت أداة تواصل مفتوح مع من يرغب في التعارف بغية أي شيء. بين عباراته المطلقة ولون عينيه، وقعت هي. أكان يحاول عرقلة خطواتها؟ كف لها أن تقع في حين أنها تدرّس الخطوات؟ أم أنّ الحب صحيح كما يقولون أعمى ؟
وقعت في حب مروان ...  
لا أدري إن كان مروان يريدها حقاً لأنه يريد الكثير عادةً. فكما كان يقول لي أنه يهوى العشق ولم يكن عشقه كذلك الذي نشاهده في أفلام الأبيض والاسود. إن عشقه شبيه بنشرات الأخبار. يبهر ... يكسب... يكذب ثم يتبخّر أو ينطفئ تدريجياً. 
صحيح أنها علّة معظم الشباب، فهم يريدون ما خلف فستان الرقص ذلك الذي اخذ أشهر تحضير من فنان. يريدون شهوة بإحترام إكتفاءً لغليل ما بنظرهم يسمى حب كامل. 
مين هيدا كامل ؟ أريد أن أتعرّف عليه. أريد ان اجالسه الطاولة أو فقط النظر في عينيه. ربما قد قابلته مرة في ذلك المتحف العتيق.
يجب أن يسمى حب المتحف لأنه شبيه به كثيراً. فالمتحف جميل وأصيل، فيه كل ما يغنينا تاريخياً وما يحفظ عرضنا وشرفنا، فيه نحن مجمّدين في لحظات، في كأبات، في ألواح. هل نصنع التاريخ أم فقط نلاقي الذاكرة ؟ من سوف ينسى ما حل في هذا الحب الكامل في تلك الإيام ؟ التاريخ أم الذاكرة ؟ إنه حب المتحف. 
كان مروان يريد حب المتحف ولكن ليس بهذه السهولة. كان يعرفها جيداً. ولم تكن فتاة عادية فلم يفوّت وقوعها في حبه وسدّد الهدف.
في جمالها تكامل وفي رغبتها به عشق الأحضان إلى أولاد هاجروا. 
                                                       ***  
لم يستعمل مروان ذكاءه في ذلك اليوم. سمح لنفسه باللعب ولم يرقص. وهي لكثرة اندفاعها وولعها لم ترفض طلب اللعب بدل من الرقص. كم هي ساذجة في قرراتها وجوابتها. قررت أن تكون لمروان وقررت أن يكون هو لها فاستبدلت الرقص باللعب وهي تدري أن الأطفال فقط يلعبون. لكنها وافقت ربما حباً به أو ولعها برشاقة كلامه
 أو من ملل التانغو. 
قضت مع مروان أشهر من جهل الشباب. كان يجد اللعب. كان يلعب جيداً. أصبحت علاقتهما علنية وعرف الجميع... هو عرف أيضاً. 
***                                                   
صدمات مزدوجة طرقت بابه. فتح الباب. لا تفتح ما من أحداً ليسمع. ولكنه فتح وسمع وضاع. 
أكان يريد حضن الأم وعنفوان النور؟ أحقاً لم يتأثر ؟ كله كذب. الرجال وحدهم يبكون. بكى في صمته، بكى في عزلته، بكى مع الضمير وأبكى القلب. بكى كي ينسى ونسي ألّا يبكي.
كانت صدمة قوية. كيف لمروان أن يسرق كل السحر المنثور لنفسه. كيف إحتكر كل ما فيها له. راح يفكّر ويقول لنفسه أشياء لم يقبل بها
ماذا فعلت به يا سيدتي؟ 
من سمح لك أن تقتلي الذاكرة والحلم ؟ كيف جمعت في داخله كل التناقضات ولم تخرجي؟ 
ما من شر في التانغو، ما من شر في الحب. 
أكان هذا منتوج حبك ؟ أيعقل أن يلوم الطريق إليك أو كان عليه أن يلوم نظاراته أو نظراتك انت ؟ 
هي ومروان. 
مروان الصديق العزيز والأخ الكبير.
لم يدري مروان بإعجابه. لم يقل لأحد أصلاً وانت سرحت في العشق مثل كل النساء. يشاهدّن الواجهة في الأسواق فيدخلّن المحال وتبتلعهّن الموضة فيضعن بين الأسعار والرغبة.  انت ضعت ببينه وبين أخطأك. أصبت الهدف الغلط  وقتلت في هذا الهدف هدف أخر ظلمته العيون. 
                                               ***
خانك مروان. 
خان جمالك، خان الإبداع، خان الحب. أصبح رجل، عفواً أصبح شبه رجل. 
خسرت مروان، خسرت الحب، خسرت من نفسك الكثير .
                                                ***
ضاعت هي واضاعت وهو يغلي من التعب الذي صنعته هي والقلق و قلّة النوم. كان بحاجة إلى دواء لينجو من صدماتها المتكررة. 
مضت سنين كان فيها حب مروان، خيانته، ضعفها، وعودتها وهو على حاله. سنين كتم فيها الإعجاب ودفع ثمن العشرة والصداقة التي لا تعني له الكثير. 
عاد مروان في زيارة إلى منزله... وفي حديث على فنجان قهوة ... 
- أهلاً أهلاً بالعاشق
- أي عاشق، تركنا من زمان ! 
- شو؟ ليش ؟ يقولها بفرحة الحزن... تمثيلياً 
- لم تنجح ...( هل رفضت حب المتحف ؟ )

سمع هذا وطار فرحاً، ضاع مرة أخرى بعدما كان في ضباب الخيبة. إجتاح الأدرنالين جسده. 
ما الفرحة بعد الخيبة إلى صدى الخيبة من جرح الألم ؟ 
ما زال يريدها وهذه المرة لن يستسلم ويسمح فقط لعيونه بالنظر إليها، سيلتهمها كلها ليربح. سنة كاملة مضت وهو لم يتخلّص منها كأنها نامت في داخله وهي مع غيره. عانق غيرها ولمس شعر أخريات. وقف في مهبات أشباح الحب. 
أشباح الحب هم قطّاع طرق يسرقون  الرغبة في الحب وضعف الإعجاب ويرمون به في أبشع زاوية. كأنك أمام شلال الحب أو نافورة "تريفي" في روما، ترمي النقود على تمتمة أمنية عشقية ثمة يأتي متطفّل ويسحب تلك الأمنية من المياه فتتحقق. أحقاً تتحقق ؟ نعم ولكن تتحقق على أساس كذب كأنها شبه أمنية. هكذا هم أشباح الحب، يهبونك شبه الحب كي تنسى مسار ألإتجاه الصحيح. 
في تلك السنة الطويلة كانت هي قد استعادت نفسها بين رقصة وأخرى. رمّم الإبداع جمالها وأعاد لها الأنوثة والحياة. 
في ذلك اللقاء مع مروان، تبادل هو اعجابه بصراحة فاعترف مروان بعدم اكتراثه كأنه لا يعنيه الأمر. أهذه رجولة أم كأبة عصرية  أم ملل ؟ أعتقد  أنها فخامة العنفوان الذكوري. " ما بي حطها ع حالو ". غباء يزيّنه الوقت. المهم أنه قوّى الاعجاب بالإندفاع وبدأ يقترب إليها وهي لا تدري. أخذ رقمها الشخصي من مروان . وقّع مروان صفقة تبادل أسرى مع العدو وتريدون أن تقنعوني اننا اليوم تخلّصنا من الذكورية في المجتمع ؟ حرام ... 
                                                           ***
لا يأتي التانغو إلا من وجع، لا يأتي الرقص إلا  من صمت. وهل رأيت راقص محترف يغنّي كلمات الأغنية وهو يرقص؟ طبعاً لا، وهي هكذا. هو صدّق القدر بعد الحديث مع مروان. أبشع ما فيه أنه يصدّق الجميع. يبحث فيهم عن أمل وعندما يحصل عليه يضيع بين "التفنيص" والحقيقة، فيعمل جاهداً ليبهرهم وهم لا يفو بالوعد. هذه هي خبرته ونتاج الصدمات التي عرفها في الموسيقى والغناء والكلام الذي انتجه وعرضه على كم من الناس الذين لا يذكرون إسمه اليوم. 
                                                   *** 
الصمت يداهمها ليلاً. الصمت الشرير يتملّك زواية كأبتها، يطارد سواد شعرها، يستفز أنوثتها فتخسر هي المعركة مع الصمت وتتأمل في حياتها. لا شيء يسمح لها بالإعتراف بذنب قد ارتكبته عندما استسلمت لذلك الشرير و وافقت على محاكات أسرار حزنها. انها فعلاً مجنونة. 
ما يميّز المجانين يكمن في التشابه الكبير بين جميعهم من حيث الشكل والأفعال ولكن هي بعيدة كل البعد عن أولئك المجانين. انها تفوقهم جنوناً بأشواط، ترتبك في مزاياها فتنبثق منها موسيقى الشرق حتى مع كل تلك الأقنعة الغريبة على وجهها فهي شربت اسمهان وداعب النوم جمالها على اغانيها. كانت تسهر على صوت عود لا تدري من يحمله، يعزف لحن الحلم وهي تبكي "شرقيّتها" تبكي الكحل في العين ولا تدري كم ثمن تلك الأقنعة الغربية ولكنها ستعلم يوماً أن القناع يسقط ولن يخونها جمالها المثقّل من الشرق والمخضرم من ابداعه. لقد وعدها أن يرفعها إلى فوق. 
                                                  ***
كم عانق وسادته متمنياً أن تكون هي، كم سافر في أوهامه ليعطي تفسيراً لإعجابه بها. يقولون أن الحب صياد ولكن أنا لا أؤمن بهذا التشبيه المزاجي فإنه يمحي كمية الإنبهار المعطى في الإعجاب والحب ويجعل مستوى القصة العشقية متدني كأنه سمكة في بحر. هذا ليس الحب.
 الحب هو قلم يكتب كتاب بقليل من الحبر. الحب هو ألم صريح يجعلك تضحك. الحب هو قلوب وردية للمغفلّين وعشاء فاخر للمغفلّين ال-"كلاس" . هو إنبعاث أنثوي يقتحم رجولة الحياة ويسكن فيها فيقضي على شراسة انفعالها ويحوّلها إلى شرارة إبداع.
" كأن فراغك ممتلئ قمراً، أحبك أم أتنفس؟ "  - محمود درويش 
الفراغ سيد هذه القصة. هو يقاوم رغبته بالفراغ وهي لا تدري بوجود فراغه. حماقة القدر. 
تنفّس يا ابني الحب لن يجعلك قريباً من محمود، إنه في مكانه لا يقوى عليه إلا الفراغ الذي تركه في هذه الأرض. أين أنت يا محمود؟ 
أين أنت؟ أحقاً ذهبت؟ أحقاً رحلوا كلهم ؟....  الموت شهيٌ للمبدع. 
يذهبون كوجع في صدر أم وكم من أم تبكي وأي حق في الدنيا يسمح بفرض البكاء على الأم. يندبن العار ويحزنّ على الفراغ. راح محمود، راح، نزار، راح وديع، راح فؤادي، راحت الأيام، ضاعت ذكريات وفقدت سلاسل علاقاتها. ضاع الأمل بين أوتار الحزن والبكاء، "ضاع شادي" وكلنا شادي.
أهذا هو الموت؟ هم يرحلون ونحن نضيع؟ يا للأنانية... هل سنجدهم عندما نذهب  نحن أيضاً؟ هل ينتظروننا في ذلك المكان ؟ أيذهبون فوراً أم ينتظرون سماع الندبة والبكاء والجنازة الإحتفالية؟ الإحتفال برحيل العودة. 
أسمع صوت الموت يدور في حلقي، يمزّق حبالي الصوتية ويمنع عنها الإستغاثة. يحاول قتلي، يحاولون قتلي. بتروا يدي كي لا اكتب، اقتلعوا حنجرتي كي لا أحكي، ونسو أن العيون وحدها تتكلم. سوف تغتالهم عيوني كلما نظروا إليها حتى ولو كانت فارغة. 
اعذروني اني حزين  ولن تقوى على حزني ألحان السماح وسولفيج الانخطاف و فوكاليس الحياة. قتلونا بدم أولاد ابرياء، قتلوا الإبداع والفن من أجل شعارات استفزازية فمات كل المبدعين وبقي هؤلاء المغفّلين.
أسينبت شجراً بعد اليوم؟ أسنملح طيراً بعد اليوم؟
عنبر الحرية مات وما من حرية معطاة لنا. يا شعب الجهل إسمع واقبل بالحرية المزيّفة. دم ولدي أغلى من حريتكم، بكاء أمي شهيقٌ وملحمة نارية. غاب الوطن بين غبار انفجارات الحياة التي تريدونها. هل تفتح أعيننا في الغبار؟ أنتنفس؟ وكيف نجد أشلاء من نحب؟
 يذهبون كلهم وأنا أبكي. أنظر إلى الجهل وهم فرحون. سبب الفرحة أن من رحل أضحى شهيداً والفخر بالشهداء عظيم. 
شهيد ماذا؟ شهيد لمن؟ وما الفخر في ذلك؟ نخسر من نحب ومن تعلّمنا الحياة معهم ثم نفرح باستشهادهم؟ أحمقى أنتم أم جبناء؟ 
تتباهون بالشهادة وأنا أحتقركم. كم فيكم من عيب لتفضّلوا تمثالاً وصور على الحياة.
ابنك شهيد افرحي يا معتوهة! هل تفرحين أو تدعي الفرح كي لا يقتلونك مرة أخرى؟ دعيهم يقتلونك فعارٌ عليك أن تستحقي الحياة بفخر دم وجرح وألم لا يسكت.
 أوافق الذي رحل على الشهادة؟ وإن وافق فهو أحمقٌ أيضاً. لنبني وطن بأبنائه وليس بشهدائه. لنبني وطن على النجاح وليس على الأمل. ما من وطن يدعى بلدي....
صرخ أين ولدي 
والولد بين دم ونار 
الموت عارٌ أبدي 
رحل دون إختيار 
ما من وطنٍ يدعى بلدي 
وتسألون لم ثار ؟ 
قم وامشي يا ولدي 
ما من فخر أعظم- أنت شهيد الانفجار 
قم وامشي يا ولدي 
إحمل همّي للأشرار
قم وامشي يا ولدي 
ما من وطنٍ يدعى بلدي 
ما من وطن للإفتخار
وأنتم يا مشاريع شهداء، لن يبقى أحد ليذكر اسماءكم عندما يجعلوننا نرحل جميعاً. لنتمسّك بحياتنا ولنقول عاش ليحيا الوطن وليس مات ليحيا الوطن.. دعونا نرقص. 
                                                    ***
الموت أسرع من التكنولوجيا ولكن يا لها من تكنولوجيا. هناك ذلك الشيء الذي يدعى "whatsapp" تتكلم عبره مع الأخرين على طريقة ال-chat من خلال أرقام التيليفون. وهكذا صار. تشجع وبدأ الحديث. 
كانت مغرورة ومتعالية بعض الشيء ولم تعطيه أهمية. يتكلم ويحاول فرض نفسه وهي لا تعتبره سوى إضافة على جدول الأرقام لديها. 
يحدّثها كل يوم وهي لا تبالي فترد على السؤال بحدود أكبر من الحدود الطبيعية. ربما تعشق السكوت أو تجد في الوحدة الصمود ولكن هو يعشق الوضوح درجة درجة. تفتّحت بحياته بغير موسمها. ارادت الحياة وهو لم يرد أن تأتي، لكنها أتت وهي أصلاً لا تدري من أي بستان طارت ولماذا وإلى أين. 
ربما نجحت في أن تزهر في شتائه بسبب التناقض الكبير بينهما. فهي تهوى السكوت أمامه وهو أسلم "للعجقة". لم يسلم برضاه ولكنه يحب العجقة ربما كي يخفي من خلالها ما تبرزه العيون. 
يتكلم معها على أساس أنها العشق والوجع وما خلف العيون. يريد أن يبرز لها كل شيء ويخشى أن يجرح نفسه. حضّر نفسه للصدمة قبل الفرحة. هذه نصيحة أخذها من "ذاكرة جسد" أحلام مستغانمي. 
يا ليت بوسعي أن أقول لها أن تسمح للعاشق في الدخول فالمنزل كبير والصدى مرعب. لن تغني، سوف ترقص والرقص إثارة للجنون.
سامحي شبه الرجال في الماضي ودعي الرجال الحقيقيين أن يبهروكي. دعيه يتكلم واسمعي النغم في شجن كلامه يغني على وتر دقّات قلبه التي أصبحت مزعجة. 
سامحي قطّاع الطرق وادخلي النور إلى دهاليز عنفوانك. 
أصبح يعتبر الكلام معها حتى ولو اقتصر على السلام العابر ضرورة يومية كفنجان قهوة عند الصباح. 
اشربي القهوة يا سيدتي في الصباح كي تنعش الليل في شعرك. اشربي الغزل مع السكر واشربي كل ما هو متاح. 
انت يا سيدتي أصبحت سيدته. في كل فنجان قهوة ومع زخرفة الفناجين المصنوعة في الصين والقهوة البرازيلية، كنت أنت الماء الساخن، لبنانية محض، وبدونك لا قهوة أصلاً. دعيه يشربك، دعيه يستيقظ من غيبوبة أحلامه فيك ليكمل النهار معك. دعيهم كلهم واسلمي له. انت يا سيدة لن تقوى عليك انتعاشة الصباح هذه ونشوة الشمس بعد الظلام. نور دافئ نور يحرق. تكلمي ولو مرة ويحلو الكلام إذا لم يضيع.
هو إستسلم لك في الليل ونام، قومي انت مع الشمس في الصباح وإستسلمي له. إنزلقي على شرارة ابداعه، قولي نعم واضحكي، لا.. ارقصي.. ارقصي فقط يا سيدة التانغو. 
أنتَ، نعم أنت يا "عريس" تتقلّب بين اندهاشك هذا ولوعة فراقه. فارق اندهاشك ودعه يشعل فيك غيرة الفنان من إبداع غيره. راقص ال-"كلي دو سول" وهي تشد سطور النغم الخفيف مع إنحدار نوتات نورك. بين المي والسول قفزة عجيبة سحرية تبهر من خلالك عبقرية الصعود. أين الصعود على خط أفقي؟ كن أنت الأفق اللامتناهي في دهاليز انبهارها ولن يطول الكلام. كن أفق يختبئ بين ذراعك النور وهو ينحني ليسطو على بهجتك الموسيقية. في ملعب الحياة تغوص ومعه تشرق أيام. أأنت كل هذا و' تصعب ' عليك النور؟
لو تدري أن في دائرة أناملك سحر الخلق وإبداع يروي غليل صومه من نزف أحلامك. لا تسمح للحلم أن ينزف، دع الحلم يبني والحب يسمع قلبك الموجوع. قلبك والعقل واحد والثاني هو الروح. خذ الروح من روح لهفتك لتجد أنك أنت سبب ابداعك العشقي هذا. يا حبيب، عندما نغرم، نغرم بأنفسنا  أولاً.
مع إزدياد انبهاره بها زاد عشقه لميزاتها التي وجدها مشتركة بينهما. في غياب الكلام وحضرة الصمت كان يعزف هو بكلام أخر وأدرك أنه يعرف كل شيء عنها. راح يختبر معرفته وقال لها عن التفاصيل التي لاحظها. أخفت حقيقة الشك في ضحكة شكر. هذه هي، ساذجة التردد.
يكلّمها وترد على قد الجواب، لا أكثر ولا أقل. هذا كبرياء النساء. عزة نفسها وثقافتها جعلوها بخيلة في الكلام. فهي تعتبره جاء ليقاتل جمالها ولا تدرك أنه جاء ليسقي بستان انبثاقها الوردي لعلّه ينعم برائحة شجنها إن لم ينل قلبها. ليست مصطنعة لكنها تختبئ خلف أنوثة مبالغة معتقدة أنها سيف مانع يحمي براءة عنفوانها.                                                                                               
يا ليتها تتفوّه بكلام يعطي وزناً لعطرها. العطر يطير في الهواء ولا يبقى ألا أثره على نفس حاولت التمسّك به كأنه مفتاح قلب. العطر هو مفتاح العقل. يفتح الحواس كلها ويثقلها فتدنو بنفسها من مستوى الشغف البريء إلى إنفعال الأعضاء الغرائزي. إن العطر منتوج التبرّج عند الانسان. فيه غلاف كل ما هو جديد فينا. عناوينه العريضة وردية اللون تدفع إلى شراء جريدة حياة لنتصفّح صفحة الوفيات. 
من كتب صفحة الوفيات تلك يومها وأعلن الحداد على الكلام؟ من أخذ من الكلام كلام وعزف ندبة الحزن تلك؟
قرأ خبر وفاة كلماتها فهل يصدّق أنها قد تصمت حتى وهي تتكلم؟ كم فيه من فن إخترق عروقه فبدّل مجرى دمه وجعله نبيذ يسكر منه الألم ليشفي بنفسه وجع العمر. 
لا تتكلمي إذاً يا سيدتي ولكن الرقص يناجيك. قولي للرقص أنك جميلة، إعتبريه أداة وليس وسيلة، تبكي عيونك وأنت كحيلة، من يمسح كحلك وما في اليد حيلة. راقصي الكحل وهو ينحدر بين فجوة تضاريس وجهك. أيمتلئ وجهك سواداً أم يلوّن السواد نهارك كنسمة ترفض العودة مع الريح؟ لن تجني المدح مع الريح... ربما عليك التكلم قليلاً... 
جاءني فرحاً:
- تكلمت 
-ماذا؟ 
-فتحت موضوع وما ردت بس عل سؤال هل مرة 
- شي منيح ! شو قالت ؟ 
- "مش طبيعي الوضع ع فكرة" 
- شو يعني؟ أي وضع؟ وضع البلد؟ 
- لا هيك فكرت بالأول بس قالت وضع إنو في كتير أشياء مشتركة بيناتنا 
- حلو 
-بتسألني عن عبارة " غريب بس حلو" 
- وشو قلتها ؟
- حكيت عنها بالعموم وقالت اه فهمت ، قلتها شو فهمتي؟ هيدي وجهة نظري ... بعد ما ردت 
- قصدها تقول إنو في غيرك عل whatsapp روق 
- (يضحك) وصلت الفكرة 
لم تجب. تركته هائماً بين الأحرف. تدرك لعبة الشغف لديه، اعطته قليلاً من جرعتها ثم ذهبت مع ما بقي من نشوة فرحته. كأنه أقام علاقة جنسية مع كلماتها وأبدع فيها فتركته قبل أن يحصل على نشوته الشهوانية. انها مبدعة... 
                                                  *** 
غريب بس حلو. أتت هذه العبارة كنتاج حلقات حوار دامت على مر عمرنا سوياً. ليست بتفسيرٍ لتُفهم. انها وصف لكل شيء كوني و داخلي. من مشاعر وأحاسيس وأفكار إلى تصرفات وحتميات واجتماعيات. كل شيء غريب لأنه ليس كما نريده أن يكون أو أنه تماماً كما نريده فنجد الغرابة تفسيراً للتقارب الشديد أو عدم الرضى عن الاختلاف، ثم مع هذا التفكير يأتي الشك. كيف استطاعت الغرابة دمج ما نلاقيه ونرفضه، ما نؤيده ونبغضه وكل التناقضات في حياتنا جميلة في غرابتها إذاً إنه شيء جميل، إنه حلو... 
اه غريب بس حلو يا سيدتي وحتى مع ادعاءك أنك تفهمين ولكن ينقصك ثقافته الإنسانية لتكتمل الصورة لديك. عفواً لكن هناك الكثير من الهذيان في انخطافه بك لذا لا تسألي عن " غريب بس حلو".
هي لا تدري كمّية الصبر الهائلة الوراثية لديه. هذا الصبر هو وراثة الخبرة التي تستدعي الصمت في عز الكلام والضحك مع البكاء و الحلم في الظلام. كانت خبرته نسائية بإمتياز وإعتمد عليها ليصبر. الصبر لديه غريب بس حلو. 
في حقل النساء الوجداني يأتي الإلهام. يتكاثر لينتج إبداع ملموس لا تفسير له. إن المرأة ابداع خلقي تسمح للابداع الفني أن يبصر النور وهو بعدما تخبّط في أجواف رجال كثر، يلملم جناحه - ما تبقى منها - ليمشي في ظل نساء. أشجار وردية وأخرى ملفوفة بحسد العيون. بساتين فرح وأخبار حزن. ثورات تعصف في زمن الرقي. هل يثور الفستان على حاملتة؟  
النساء ثورات في ثروات - يا خبّي الكنز يا غير النظام.
هو يسمح لنفسه بانتشال إمرأة تلو الأخرى ومن أين سيبدأ؟ من صدى نبع خبرته مخزون لذاكرة وهمية افتراضية مبنية على أساس أذن تمتص ما تسمع. 
أمن ندى، تلك المعنّفة، أو من سعاد التي أوداها عشقها لحقائق الفساد، أم قمر ، المرأة الحديدية، أو ربما مهى والعشق "الفادي". 
جميعهن نساء رسمن في الدنيا خبايا العمر في رحلة العشق التي تحلم بها فتاة عندما تشاهد الأفلام الخرافية. تنضج وتكبر وهي ترتدي فستان أحمر فضفاض كبير كأميرة في علبة ألعاب، ثم تنصدم أو ربما تدعي التفاجؤ عندما يأتي الأمير ليمزّق ذلك الفستان بدل من أن يضع التاج على رأسها. من الأحمق في القصة ؟ لا أدري. ربما حَلُم الكتّاب بوضع أفضل فكتبوه علّه يصبح حقيقة. أو أنهم أرادوا العيش في وهم لخلق تيارات الإستمرار في الزيف على حساب الخيال. لا أدري. لكن من الواضح أن النساء اللئالي رقصن في ذاكرته هو لم يأتوا من فيلم "Disney". 
كانت ندى قريبة إحدى الجيران. اوصلت قصتها بنفسها إلى الجميع بغية إيصال رسالة أو ربما الحصول على عطف اللأخرين. ارادت أن تقول لنساء العالم أنها خضعت لشخص أعطاها عسل الخضوع. 
كان كلامها مدرسة ذهب هو إليها وعاد يبكي.
...أخذ تلك الزجاجة الفارغة ورمى بها على رأسي فعانقت الدماء دموع ألمي وجفّت على تجاعيد الوجع. كان من الصعب أن أروي قصة حب أعمى جعلني اركع وأخضع لرجل. كانت قصة حبي مع ذلك الوحش، قصة غاب عنها الأبطال وساد تشاؤم العمر فيها. سادة القوم هؤلاء يحمونه امّا أنا تحميني أجنحة باتت مكسورة. أجلس في وحدتي مع الظلمة خائفة من أن يفضح الضوء حقيقتي. كم أنا ساذجة. اتباهى بوجعي ليكون لي عذر أروي به نتائج رسمه على لوحة وجهي. سامحني يا قدر أنا ظلمت نفسي عندما قبلت بك. 
كم جرحه كلام ندى وهي تروي تفاصيل علاقتها الزوجية. ضاعت به أحاسيس لم يكن يعلم بوجودها أو حتى بوجود رجال كهؤلاء. عارٌ عليهم أن يعيشوا. ومثل ندى كثيرات يبكين في ظلمة الخوف من مجتمع اعتاد التصفيق لرجل حتى قبل السماع بإسمه. 
وكانت في تلك الجلسة المأساوية التي جمعته بندى، إمرأة لم تعرف السعادة إلا بتزيفها لعلّها تشعر بنشوة ترضي الدوبامين في جسدها كي تضحك. كانت سعاد خبرته الثانية. عرف عنها الكثير حتى وهي لم تقل شيئاً. كانت مغرمة بشاب أعطاها أجمل أيام من سعادة وحب. كان رائع وغريب، وكم رجل أطاح هو به أمام شهامته وعنفوانه، علّته واحدة نظرياً وهي أنه يغيب ويختفي ثم يظهر فجأة من خلال أسراره دون تفسير. كم كانت تكره هذا الغياب وتقول "خلص لن أعود إليه ثانية" وكانت تعود خاضعة لسحره الذي يحقنه بها. لولا الاعتراف لكان قتلها الحب الشديد. سألته يوماً عن سبب غيابه المتكرر ولم ينجح في كتم أنفاسه ليخفي عنها الحقيقة، فاعترف. 
- أنا مدمن
- (تضحك) هيا بلا مزح ، اني أتكلم معك بجدّية 
- أنا مدمن على المخدرات منذ 5 سنوات، وأغيب لأكمل العلاج كي اتخلّص من هذا السم بداخلي
بكت سعاد. بكت لأنها لم تدرك كيف تستقبل إعتراف كهذا. اتسامح أو تهرب؟ هل عانقت أشلاء مزيّفة تخطتها السعادة؟ هل قبّلت وهم ، شبه انسان؟ بكت سعاد من شدة الخوف وتمالكت نفسها لترسل له رسالة نصية تتمنى له الشفاء قاتلة بكلامها الحب الذي أضحى رماد بسبب مخدّر هدّد حياة سليمة. 
عندما نظر إلى ندى وهي تتكلم ولمح سعاد تتبادل نظارات الإرتباك مع الموجودين ، تذكّر قمر. يا لها من إمرأة. كان الصخر يخشى اسمها. اضعفتها التجارب فثارت على الحياة والرجال والجهل وأصبحت المرأة الحديدية. لم تكن تفكّر إلا بنفسها فقررت عدم قبول بيع جسدها إلى رجل مقابل لقمة عيش. خانت لوح الخشب بعد ما كانت تعبده. سامحت نفسها بطلقة نار كي لا ترحم الحياة التي سعقتها بأسلكة كهربائية. 
بعد إنتهاء ندى من الحديث، دخل فادي وألقى التحيّة ثم نادى  سامر الذي كان يسمع القصص معهم. أعذر نفسه وخرجوا. كان فادي صاحب قصة من خبرات بطلنا.
مهى صديقة مقرّبة. كانت مشعّة، صوتها شجن يغلب الفرح في عيونها. شجن ضحكتها أجمل من شجن النوتات في حنجرتها المتواضعة. ربما هذا الخليط المميز فيها جعلها عاشقة رائعة. أحبّت فادي وهو أحبها، لكنه باع الحب مقابل عذر الإنشغال وسمح لوقت مزيف أن يغلب عشق لم يحلم به يوماً. 
فادي هو مثال وصورة الشاب العربي الطموح الرخيص. يمتلك القامة والجمال والثقافة في الكلام. كلامه المستقيم رائع وحبه رائع لكنه جبان، يخشى المرأة التي تعطيه ما يستحق فيهرب ويختبئ وراء هموم واعباء الحياة. يدمّر ككل العرب. دمّر مهى وبساطتها. دمّر فرحتها والتزامها. أغرق ليلها في الدموع وبات النهار عندها أشبه بصداع لا ينتهي.
أخشى أن تسامحه يوماً فيغدو المرض علاج لنفسية خاب ظنّها برجال أخجلوا الأمل عينه.
كم هي جميلة خبرته النسائية تلك. كم فيها من جمال لا يضاهي جمال التانغو. فهو يدرك أهمية كل إمرأة وكل صديقة وكل عشيقة وكل أنثى. لا يأتي الحب إلا عندما تكتمل خبرة الحياة بقصص نسائية حزينة تعلّم الرجل كيف يعطي أهمية لنخوته وصاحبة أحاسيسه  وحياته في أنٍ واحد.
                                                       *** 
إعترف بسحر جبران عليه. هو الذي يغضب من كل شيء دائماً، أصبح هادئ ومبدع. تقول أمه أن الموسيقى غيّرته فيضحك عند سماع هذا الكلام لأنه يعرف أن كلمات جبران خليل جبران أسرته وأوضحت له كيفية الطياران على الأرض. أولئك الذين يطيرون ويحلّقون علياً يسقطون بسرعة، أما الذين يطيرون على الأرض فلهم الأبدية مع التاريخ. هذا ما علّمه إياه جبران فتركه لنفسه وإفتخر بفضل جبران عليه بصمتٍ خجول. 
                                                    ***
كسر قليلاً من كبريائه الجميل وراح يكلّمها وهي اعجبت بكلمات على وزن مقام شرقي محض فحاولت أن تغني. 
-عم خبّر احساسي عنك 
- هات لنشوف، شو عم بتخبرو عني؟
- قصص تفوق قدرة الاستيعاب
- مثل شو؟
- هيدا عليكي أن تعرفيه
- إنو إحذر؟
- لا، قصدي إنو تحسي
- وربما كان غلط
- وربما كان صح ! هيدي هي اللعبة
- عم نلعب ؟
- لا ، عم نرقص...
تذكّرت مروان واللعب وخاب املها بجهلها. رأت فيه كمال الرجل الذي يريد الرقص وتذكّرت أنها قبلت باللعب بدل من الرقص. دارت بها دنيا  الأسئلة ولم ترى جواب إلا في كلامه هو.... الإحساس.

" وخفت أقول لك على حالي وأشرح لك حبي ليكون فؤادك مش داري وتعذب قلبي "   - اسمهان

تركها بعد ذلك الحديث لعلها تستوعب حجم الإعتراف الذي قاله بهذه الكلمات الصغيرة. لم تفهم. أو ربما فهمت وادّعت الجهل لتختبر كم هي ناضجة. ستسامح نفسها يوماً من كبرياء الإدعاء إذا عرفت خطايا هذه الظاهرة. ولكن هذا لا يتعلّق به فهو فقط يحلم وما أجمل الحلم حتى لو كان الطموح نفسه يحلم. نعم الطموح يحلم.
                                                   ***
في صمتٍ عجيب أمام خشوع  الرغبة وقوة الإنتظار دق الباب. اتفتح؟ وما له من سؤال وهي تدري من خلف لوحة الخشب تلك لكنها تكبّلت في مكانها وإختفى صوت نفسها حتى تلك الدقات المتكاثرة في قلبها توقّفت. خضعت لنوبة غسيل عاطفي وتأهلت لتواجه صدمة لا مثيل لها. كانت تعتقد أنه الجمال والمبتغى والحلم. رأت في أنامله نوتات تقفز بين "الدو" و-"الفا" بعجرفة ملوكية. راقص خيالها قبل أن يدعوها للرقص وعرفت يومها أنه لها. كم هي حمقاء. ثارت في داخلها الوحدة واجبرتها على فتح الباب وهي خضعت. ترجم الهواء كوكبة الصمت في عيونها، رأت أوراق تتساقط من شجرة انبهارها ولم تتفوه بكلمة. قبّل غرورها ورحل. إختفى تاركاً بغض الشفاه ورسالة ملطّخة بالأمل كتب فيها: 
لو كنتُ من هناك لعرفت سر الجمال في الحياة. ولكنني من هنا، من نبع المعتركات و الضوء بعيد . احلمي وثابري، إن الموسيقى خيال والخيال نجاح والنجاح حلم. هذا الحلم هو من دفعني لأظهر بعشقي للجميع. يا سيدتي.. التانغو يليق بك. 
تسمّرت في مكانها ثم فاقت على صوت ولدتها تقول: " هيا لقد تأخرنا". يا له من حلم أو كابوس أو ربما شيء جديد لم يكتشفه فرويد.
لماذا حلمت به هو وهي لا تشعر تجاهه بشيء؟ كيف أتى وجعلها تعشقه؟ ما أجمل نبضات قلبها في ذلك الحلم وما أروع انبهارها به. لكن لماذا؟
لن تقول له عن هذا الحلم. ربما هو لا يدرك أنها قد تفكّر أصلاً في حبه وهي الأن بعيدة عن الحب حالمة برجل لا يعرف الحب.
غريبة انت يا سيدة. تحلمين برجل وتهوين العثور على غيره. ماذا تريدين وكيف تفكرين؟ من سمح لك بالتعالي إلى هذا الحد الوقح. انك مجبولة بضعف غرور البشر وسيغلب الوجع ضميرك يوماً من أعذارٍ قلتها بدل عن كلام حقيقي.  
                                                      ***
قال لي يومها وهو يطلب مني تفسير احساسه أن نظرته للإحساس هي فعلاً نظرية بعيدة عن المفهوم الأرضي. أصبح فيلسوف الحب وعاشق الكلمة وقال : " اني أؤمن أن الإحساس ليس نظرية لتفسّر وتطبّق في شتى الميادين، إنه ميزة في مكان معين، في حدث معين، لا مبدأ له ولا قاعدة مثل دقات القلب؛ تتسارع عند التعب وتبطئ كأنها تموت في حالات الحب. فكما الموت أصبح حياةً ومرحلة انتقالية من جوع الثبات والتعلّق إلى جوع السمو، كذلك تموت دقات القلب وتنتقل من جوع التعلّق الزهري بالأشياء والأحاسيس إلى جوع السمو بالحب في دنيا وحده العاشق يزورها" .
لقد تفوه للتو بتلك الكلمات، نعم.
 ماذا فعلت به؟ أيكون قد أدمن على الحب وهو ذلك الذي يدوب الحب في عيونه؟ أو أنه أدمن على الجلوس في الحالات العشقية بعدما أعطيته "الأسود يليق بك" ليقرأه؟ لا بد أن أحلام مستغانمي فتحت فرع لها في داخله. 
أنا مع المرأة في جميع الحالات ولكن هذه ليست حالة. لقد أدمن على الاعجاب، لقد سمح لنفسه بأن يتراجع من شغف خوض المعركة. سمح لإعجابه بأن يرضى بالقليل ويقوّي فيه الكثير. صحيح أنه أبدع في كلماته وأصبح يلازم عزف العود في كل دقيقة ولكن ما أدراني. لم أؤمن بالحب بعد تجارب فاشلة أو ناجحة لا أدري. انها فقط أوقات تمر لكن لم يكن بوسعي أن اسمح له في المخاطرة وأنا كسبت فيه شيئاً لا تفسير له. ليست أنانية، انها جنون الدم. الدم هو الرابط الأول بيننا وهذه  واحدة من عوارضه. لقد أشبع في حزنه جمال الروح وسمح لنفسه أن يبرز جماله من خلال كأبته. يا لها من شريرة وهي لا تبالي. معذورة ربما فهي لا تدري بوجوده كحبيب ولا كصديق. ربما اكتوت هي أيضاً من عذاب الحب أو من صنف الرجال الذين ينتمون إلى حب المتحف.
                                             ***
قال لي أنه قرّر الإستسلام للواقع وعدم التكلم معها مجدداً. كم هو مضحك. في كل كلمة يذكّرني بنفسي و-"صراحة" شكرت الرب أني موجود لانصحه. أصبحت الدليل وحرّكت جمرات حزنه فأشعلت النار من جديد. لا مكان للإستسلام في هذا الوقت. إسمع يا أخي، هي لا تتكلم معك. جوابها سليم وحروفه تعد ولكن هذا جيد.
- كيف؟
- أنت لست موجوداً في حياتها، رائع !
- شو لمنيح فيا للشغلي ؟ (باللبناني)
- انها لا تعتبرك صديق وهذه علامة جيدة فأنت لست موجود كدعم في حياتها يعني عندما ستصارحها عن حقيقة مشاعرك لن يكون هناك ذلك السبب " sorry بس ما بدي إخسرك كصديق" لأنك أصلاً لست صديق يعني إحتمال أن تكون حبيب أكبر بكثير.
- سأصمد إذاً وسأعترف اليوم!  
- اليوم؟ أنا خائف
- أنا مرعوب
- أترك الأمور قليلاً ، شهر مثلاً
- فلتكن...
هذه هي حماقة الحب. تخشى الصدمة ولكن الثائر فيك لا يرتدع عن الهجوم حتى في الأوقات غير المناسبة. يقاتل ويعرف أن الخسارة كبيرة ولكن هل رأيت ثورة من دون بكاء؟
كنت أريد أن يعترف لها في يومها لكن نجحت في تأجيل الأمور أملاً  أن تظهر هي في الإحتفال بذكرى عيد ميلاده كونها مفاجأة له. إن أتت سيكون قد ثبّت خطواته نحوها أكثر.
شموع تنطفئ وتصفيق وأصوات وهي لم تأتي. أترى نسيت أم تناست؟ أترى شعرت بوحدة الوجود في عالمه وهي أغرب الناس عليه؟ لم تأتي. كم كنت أريدها اى تأتي لأدرس نظراتهما معاً والإرتباك سيد الموقف. لندع القدر يلعب دوره فهو لم يسألنا عن خطته.
***                                              
مضت أيام وهو يعتقد أنه يعشقها أكثر فأكثر. قرّر أن يذهب إليها أو ربما قرّر أن يذهب إلى نفسه ليحاكي ضميره وقلبه ومنطقه. في ذلك الوقت كانت هي بعيدة عن الدنيا. قررت الإبتعاد قليلاً لتجمع نفسها وتعود بقوة تثير إعجاب التانغو. عادت ضحكتها إليها وبدأت الرقص من جديد . وحان الوقت ليختبر القدر رجلها وهي ترغب بالتفوّق هذه المرة.
***                                               
ما أجمل القدر في مهب الريح، ما أوسع الشجن وما أروع أنفاس الطرب عند أوجاع المطر على صدر الرصيف الوحيد. يا للعمر المخطوف بأيدي أنوار شحبت ألماح الحب لتحوّلها إلى كتب مكدسة لا يقرأها إلا الزمن.

" سأعترف الأن، ما أجمل الإعتراف" - محمود درويش

لملم نفسه وبحلة لم يبالي لطلّتها حمل كتاب "الأسود يليق بك" والرسالة التي كتبها أو السنفونية العظيمة التي وزّع موسيقاها على مقايس حبالها الصوتية. ركب السيارة مع أخاه وذهب إلى منزلها. قرر أن  يعترف لها عبر تلك الأوراق بكلماتٍ لم يعرف كيف كتبها. أوراق كلّلها الحبر الأزرق بولع لم يبدأ بعد. حمل نفسه وقرر الإعتراف. بعد أن جمع كل المعلومات، أصبحت الطريق إلى بيتها أسهل من الغناء له. لكنها بدت وكأنها طويلة جداً. صحراء جافة وقبيحة. لم يكن يدري سبب الجفاف ولكن الضوء كان ساطعاً أمام المنزل... نزل من السيارة ودنى من باب المدخل الرئيسي ليدق الجرس.
دقات قلبه كانت تخيفه. تلعب بين أنامل يده لتمنعه من الوصول إليها. سمع صوت من بعيد. صوت كله رقة. كله نغم وتانغو، كله عنبر وإن سمح الزمن بتعطير الصوت مرة فهي تستحق هذا الوصف.
كانت هي، نعم هي تدنو منه. أهذه صدفة أم قدر أم جنون؟
نادت بإسمه وقالت: " أكيد مش جاي لعندي
قال: " بصراحة... مبلا
- عم تحكي جدّ؟
- ها أنا أمامك كلني سوى... ( إنحنى وقبّل يدها) ... هذا الكتاب لك وما في داخله أيضاً وهذه الرسالة لك أيضاً.
وهي في لحظة غرابة تركت نفسها عند تلك القبلة على يدها تدني من همس نفسه على عطر يدها،
 على عطر عمرها،
 على الزمن.
هو يرتجف،
 يخاف،
 ضاع كلامه
ألم يكن يرى لمعة عينه؟ لم يكن من عقارب ساعة موجودة ليقف الزمان عندها.
أعجب الجمال جمال وأعزب الحب زمان لا يقف عند اللحظات الرائعة.
قالت: كيف عرفت منزلي؟
قال: مش مهم، خذي هذا الكتاب والرسالة ولاحقاً تعرفين كل شيء من خلالهما
- لا، أريد أن أعرف كل شيء الأن ولن ترحل قبل أن تقول كل شيء.
- انت تدرين أن مخابراتي قوية وسوف تفهمين كل شيء بعدما تقرأين ما في هذا المكتوب
تركها وتركته يرحل. لم تقل شيئاً ولم يريد أن يعبّر أكثر. إنه وجع الحب عندما يقع بين شيئين عظيمين. فيضحي البكاء أجمل العجائب. لم ينظر خلفه وهو يرحل ولا هي. أصبح هو اللحن بين عظمة كلمات نزار قباني وشجن صوت كاظم الساهر. أصبح هو مبدع.
أصبح هو بعدما أن رأها هي.
لم يتوقع هذا أن يحدث. كان على أساس أنه سوف يسلّم أمانة ويرحل. من قال أن القدر ليس مجنوناً أو أنه لم يرقص على نغم حب من قبل؟
رحل ليحاكي صمته وصعدت هي إلى منزلها لتكتشف إعتراف دام ثلاث سنوات وأبصر كرسي الإعتريف اليوم. اليوم خشخش فستانها على طقطقة حذائها وهي ترقص. بعد اليوم سترقص حافية القدمين.
يا له من إبداع عندما يختلط الوجع بموسيقى رحبانية.
فكّرت كثيراً وعاد الزمان بها إلى الحلم الذي أضحى حقيقة ولكن لم تشعر أبداً بنفس الشعور عند باب الحلم. أيختلف الشعور في الحلم عن شعور حقيقي؟ أنشعر ونحن نحلم ؟
لم تفهم محتوى الرسالة وخافت من أن تقع بين جمالية سطورها ولكنها عرفت انه يعترف بإعجاب وحب ووجع.
ظلمته وظلمها كبريائها مجدداً.
 كلّمته ودخلت مملكته واحرقت كرسي العرش.
       ضاع هو ومات احساسه ورحلت هي.
لن تحبه، لن تقبل ولم ترضى إلا بالإعتراف بأبشع الطرق. حملت عسلها وحلّق خلفها النحل. أخذت التاج منه وسمحت للنحل بتشويه احساسه.
لم يبكي لكنه جُرح بصدمات شبه غريبة.
غريب ومش حلو ...
حمل العود.... وبدأ يرقص.
لا يأتي الفجر إلا   بعد ظلمة. من الصعب أن أرقص وعلى ظهري اعباء الأجيال والوجع والحزن... دعيني اخلع عني ألام العمر وأخيّط منها أنغام تعزف موسيقى عمرنا معاً، تعزف لحن الوداع للقاء لم يحدث
هيا لنرقص رقصة الوداع...
أرجوك لا تبكي فالتانغو لا يليق به الدموع. سامحي دموعي إذا إنحدرت ونحن نرقص ولكن لا يمكنني أن أنسى أداءك في تلك الليلة الأولى.

دعيني أرقص التانغو معك. سأقترب منك وانت تلفّين رجلك على رجلي، سأشم رائحة شعرك ونعم سوف أرمي بك أرضاً وليس لأن الأداء يفرض هذا ولكن سأنتقم من وجعي فيك علّه يسقط معك.
ربما التانغو يليق بك، ولكن أنا، فالشجن في صوتي يبهر الحياة فتركض إليّ هاتفة سولفيج عمري.
هيا, لنرقص التانغو على نغم صوتي ولكن انتبهي! لا تقعي في حب شجني لأن جمره أسود وانت حافية القدمين. سامحي شجني كما سامحت غرورك. أنا اليوم انفض عني الملل لأترجم بصوتي شجن خلق من وجع ذكريات رسمتها انت .
ارقصي ....
واسمعي صوتي ... يا سيدتي 
ولنبكي  ….                                                                                                             
                                                                                                         24/10/2013
                                                                                                    




















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق