محمود درويش |
-1-
أيُّها الموتُ انتظرْ! حتّى أُعدَّ
حقيبتي: فرشاةَ أسناني وصابوني
وماكينةَ الحلاقة، والكولونيا، والثياب.
هل المناخُ هناك معتدلٌ؟ وهل
تتبدّلُ الأحوالُ في البدايةِ البيضاء،
أم تبقى كما هي في الخريفِ وفي
الشتاء؟ وهل كتابٌ واحدٌ يكفي
لتسليتي مع اللاوقت، أم أحتاجُ
مكتبةً؟ وما لغةُ الحديثِ هناك،
دارجةٌ لكلِّ الناس، أم عربيّة فصحى؟
-2-
... ويا موتُ انتظرْ، يا موتُ،
حتّى أستعيدَ صفاءَ ذهني في الربيعِ
وصحّتي، لتكونَ صيّادًا شريفًا لا
يصيد الظبي قربَ النبعِ. لا تحدّقْ
يا قويُّ، إلى شراييني، لترصدَ نقطةَ
الضعفِ الأخيرةِ. أنت اقوى من نظام الطبّ.
أقوى من جهاز تنفسّي. أقوى من العسل القويّ،
|
ولستَ محتاجًا – لتقتلَني – إلى مرضي. فكنْ أسمى من
الحشراتِ. كنْ فروسيًّا بهيًّا، كامل الضربات.
-3-
ويا موت انتظر، واجلس على الكرسيّ. خذ
كأس النبيذ، ولا تفاوضني، فمثلك لا يُفاوض أيّ إنسان،
ومثلي لا يعارض خادم الغيب.
استرح... فلربّما أنهكت هذا اليوم من حرب النجوم. فمن
أنا لتزورني؟ ألديك وقتٌ لاختبار قصيدتي؟ لا. ليس هذا الشأن شأنك.
أنت مسؤول عن الطينيّ في البَشَريّ،
لا عن فعله أو قوله.
هزمتْكَ يا موتُ الفنونُ جميعُها.
هزمتْكَ يا موتُ الأغاني في بلاد الرافدَين.
مقبرةُ الفراعنةِ، النقوشُ على حجارةِ معبدٍ
هزمتْكَ، وانتصرَتْ، وافلَتَ من كائنِكَ الخلودُ..
فاصنعْ بنا، واصنعْ بنفسِكَ ما تريد.
من
كتاب "جداريّة محمود درويش"
بتصرّف
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق