التعريف بالديوان
ديوان
"جنى الثمار" مجموعة خواطر تفيض بالنفحة الصوفيّة، التي يظهر فيها الشوق
إلى السماء، وصبوة المسافر إلى ربّه، والسعي إلى الانعتاق من القيود الأرضيّة.
ويضمّ الديوان قصائد تدور حول حبّ يُمضي من أجله الليل ساهرًا، ويصرف ساعاته
الطويلة قلِقًا. وهو حبّ صافٍ يطلبه الشاعر فيجعله سبيلاً للاتّصال بالحبّ الأسمى
ومعانقة الحبّ المطلق.
أ- موقف طاغور من الخالق
إعتبر طاغور
أنّ مملكة الأرض مرحلة تصل به إلى الله، ومعضلة القلق المستمرّ الذي يُعانيه
الظامئ إلى الحقيقة، لم تبارح تفكيره. وانطلاقًا من إيمانه "البرهميّ"،
رأى أنّ التماس الحقّ يكون عن طريق تطهير النفس من خلال نبذ الإثم والبُعد عن
الدنايا والتخلّي عن حُطام الدنيا، والانقطاع إلى العبادة ومزاولة الصلاة رغبة في
التقرّب من الله. ولا تكون دروب الحياة مستقيمة، إلاّ للّذين يسيرون بهُدى الله.
والدنيا، في
نظر طاغور، مصدر النقص؛ والجسد سجن النفس، ولا بدّ للنفس من التماس المعرفة
والسعادة، عن طريق التحرّر من سلطان الجسد. وعندها يُتاح لها أن تسمو إلى خالقها،
تحقيقًا للمعرفة الصحيحة والسعادة التامّة.
ورأي طاغور،
إنّ الكون صورة الله، والجمال في الكائنات المنظورة، والصور المتنوّعة منبثقة عن
مصدر واحد هو الذات الإلهيّة.
كما يؤمن طاغور
بالعلاقة بين الفرد والخالق، وبأنّ ذات الإنسان هي مدينة الله، ففي القلب مقرّه
وفي النفس نوره.
ب-
النزعة الصوفيّة في جنى الثمار
الشعر عند
طاغور انسكاب نفسيّ عفويّ يُذكّر بانسكاب الدعاء من صميم المتعبّد الأصيل.
والصوفيّة صفة ملازمة للشعر الطاغوريّ، فإنْ تغزّلَ تنزّهَ عن شهوانيّة الحسّ، لكأنّ
المرأة وجه من وجوه الجمال المطلق وانعكاس له. وينطلق في وصفه من المحسوس إلى
المجرّد، فتصبح مظاهر الكون أنغامًا تتوافق، والعالم في عرفه نعمة الله ونشيد فرحه
الأزليّ.
والشوق إلى
السماء يدفع الشاعر إلى ملاقاة النجوم ليلاً، والغوص من بُعد في الظلمة العميقة التي
تقوده إلى الفجر. يسهر الليالي ويغنّي، منتظرًا هبوط الحبيب في موج من نور، ودفق
من هناء. والشاعر روح مقيّدة في جسد، مغمورة بأهواء، يسيطر عليها الطموح، ويستأثر
بحبّها الناس، وتُغريها بهرجة الأشكال. إنّه لَفي جهاد شاقّ، وهناء مؤلم، إلى أن
ينعتق من كلّ شهوة ويغادر هذه الدنيا ليغوص في قلب الحياة الحقيقيّة، ويلقى
الألوهة في بهجة الصباح.
ج- موقف طاغور من الحياة ومن الموت
الروح
تنتقل بعد الموت إلى جسد آخر، وصاحبها يرجع إلى الحياة. وأقصى ما يبتغيه من عمليّة
التناسخ، بلوغ النفس كمالها وعودتها النهائيّة إلى الله، ونجاتها من الولادات
والميتات.
والسعي إلى
الخلاص، عبر الولادات المتكرّرة، يستلزم استعدادًا متواصلاً لبلوغ النهاية
السعيدة، وتوفير صفات تساعد على الترقّي في سلّم الحيوات، كصلابة العزيمة والصبر
على القهر والعزوف عن بريق المادّة. كما يفرض الشوق إلى بلوغ الحقيقة والاتّحاد
بها والاستقرار فيها، قلبًا بعيدًا عن الزيف، خاليًا من الحقد، مليئًا بالمحبّة،
ونفسًا طهّرتها الولادات فغدت بمنأًى من الكذب والبخل، ولم يعد لها من همّ سوى
التقوى وعبادة الله وحبّه، بانتظار العودة إلى مصدرها.
د- موقف طاغور من المجتمع
حمل طاغور
للمجتمع رسالة إنسانيّة قائمة على المحبّة والأمل، تُعيد إلى الانسان المشرّد في
متاهات المادّيّة والإلحاد، إلى الانسان المضيَّع، الذي افترست الحروبُ وألوانُ
الظلم أحلامَهُ واستقرارَهُ، تُعيد إليه الأمل والسلام والإيمان والثقة بمستقبل
أفضل. كما أحسّ بأنّ العلاقة التي تربطه بالناس وبالخلائق كلّها، إنّما هي نتيجة
وحدة تضمّ الكلّ إليها في نظام أزليّ وثيق. وقد عبّر عن فرحه وتفاؤله، وعن العلاقة
التي تشدّه إلى الغير وإلى الوجود، في كلّ نتاج صدر عنه.
والصلة
التي تربط الشاعر إلى الناس جعلته يتضامن معهم في آلامهم وآمالهم وأحزانهم
وأفراحهم. وهو يشعر بغبطة خاصّة تغمره عندما يجد نفسه بين الضعفاء والبسطاء
المعذّبين. أمّا الأطفال، فيُشير إلى ضرورة محبّتهم وتقديس براءتهم، والاهتمام بهم
إعدادًا لرجال الغد.
وفي موقفه
من الناس، انتقد الشاعر التهالك على الدنيا، ودعا إلى احتقار الغنى الأرضيّ، إذ
إنّ ذرّةً ممّا يهبه الله، تزدري بثراء العالم كلّه. كما يدعو إلى التواضع،
"لأنّ المتكبّرين الذين يسيرون في درب الكبرياء، ويدوسون بنعالهم على الحياة
المتواضعة، ويُغطّون خضرة الأرض الغضّة بآثار أقدامهم الملوّثة بالدماء"،
سيأتي حسابهم.
هـ - موقف طاغور من المرأة
ثار طاغور
على التقاليد البالية التي تجعل الزوجة سجينة البيت، فالمرأة رفيقة جهاد، تُشاطر
الرجل الخير والشرّ وتُجاريه في نظرته إلى الحياة، وقد تفوقه قدرة في تذليل
المصاعب. وهو يُصوّرها حرّة، طليقة العاطفة والتفكير، إذا ساواها الرجل بنفسه نال
منها كلَّ الحنان، وإذا استبدّ بها لم ينل إلاّ الفشل.
والمرأة
إذا أحبّت، كان الحبّ لديها دينًا، وكان حبيبها موضع التقديس والعبادة. وهي تبدو
حريصة على كلّ ما يوصلها بالحبيب، حتّى إذا ما توارى ورحل يبقى طيفه ماثلاً في ما
ترك من أشياء، وتشعر بالسعادة لمجرّد تقليب صفحات وِصالٍ مضت.
والمرأة
عند طاغور، جمال متجدّد، وصبًا دائم، وتجسّد إلهيّ: "إنّها تلك التي تُعيد
إلى الربّ أمواج عذوبتها الفيّاضة... ترقص مع الجداول المزبدة المتدفّفة، وتُغنّي
مع نور الفجر. لقد تجسّد فيها الخلود لتنبثق في فرح لا يُعقل، ولتنصبّ في ألم
الحبّ.
حضور المرأة
جمال ونظام وتناسق وملء وحياة، وغيابها قبح وفراغ وزمان غطّى الغبار ساعاته. ويستوحي
طاغور جمال المرأة ليمجّد الخالق، ويطلب حضورها كي يستطيع بصحبتها مواجهته؛
فالمرأة لم تكن لديه غايةً يطلبها لجمالها فحسبُ، وإنّما كانت منبعًا للإيحاء
صافيًا، ووسيلة يتوصّل بها إلى الكائن الأعلى، وهي أسمى من كلّ مغريات الأرض.
لقد كان
طاغور يعتقد "أنّ الحقيقة كامنة في قلب المرأة، التي تعرف أن تكون جبّارة عند
غضبها، مخيفة كالعاصفة، لتعود جميلة وادعة حين تهدأ، فيُشرق على قلبها
الصفاء". والمرأة هي التي تخلق الجمال في قلب الرجل، وإن لم تكن جميلة، وهي
قادرة على أن تكون مصدر وحي بعدما جعلها الله آية لا تُخزّن الجمال إلاّ لتوحيه
وتهبه.
و- موقف طاغور من الأوضاع السياسيّة
لم يكن
طاغور بمعزل عمّا تتمخّض به الهند في ظلّ الاستعمار الانكليزيّ. فقد كانت له مواقف
جريئة تدعو أبناء وطنه إلى أن ينزعوا الخوف من أنفسهم. كان طاغور يرى ضرورة
التعاون بين الشرق والغرب (عكس غاندي الذي دعا إلى مقاطعة بضائع الغرب)، وأنّ دواء
الجوع يكون بتقبّل علم الغرب وصناعته. أيّد طاغور صوم غاندي البطوليّ، ثمّ انضمّ
إليه، فعبّر عن دعمه لطبقة المنبوذين المستضعفين.
ز- أسلوب طاغور الشعريّ
يطبع الرمز
صور طاغور الشعريّة بالخصب والحركة. فالرمز جاء عنده مكثّفًا، وغلب التلميح على
التصريح، والإشارة على المدلول البيّن. إلاّ أنّ الظلال الرمزيّة الغامضة غلّفت
بعض شعره. كما يُعطي الشاعرُ الألوانَ والروائح دورًا بارزًا للتعبير عن حالته،
ويفسح في المجال أمام النور والظلمة، لإبراز الأفكار والمشاعر المتناقضة.
ثمّ إنّه
يتوخّى الألفاظ الرقيقة الغنيّة بالموسيقى، وشعره المنقول إلى العربيّة، يُحافظ
على الإيقاع الخفيف والتموّج الهادئ. وقد كان لطاغور صوت نديّ وولع بالألحان، وكان
يستوحي من اللحن ما يُناسبه من الشعر.
يُخاطب
طاغور في شعره العقل والقلب معًا، في قوالب من نسج الحلم والخيال. وهو يوقظ
الأسماع والأفكار والمشاعر، بقصائد هادئة تبسط أمامنا خواطر قائمة على المحبّة
التي أراد نشرها في الوجود.
ح- الوجه العالميّ لأدب طاغور
إنّ
الخصائص الانسانيّة التي يتّسم بها أدب طاغور، أعطته وجهًا عالميًّا. والحالات
التي عالجها، والتي هي وثيقة الصلة بالصلاة والطفولة والمحبّة، والقضايا
الإيمانيّة المتعلّقة بالحياة والموت والوجود، والمواقف الاجتماعيّة المتنوّعة
التي أظهرها، لم تكن بغالبيّتها غريبة على الفكر الإنسانيّ. ولكنّ القوالب التي
سكب فيها تفكيره، جاءت جديدة على متذوّقي الأدب، وبدت فريدة مميّزة، فجعلته
متفوّقًا بين النابغين.
لا شكّ أنّ
جولات طاغور الأدبيّة حول العالم، قد نقلت روح الفلسفة الهنديّة إلى كافّة أقطار
العالم، ومن بينها البلاد العربيّة. ويُعتبر طاغور، بأعماله، صاحب مدرسة أدبيّة،
برز فيها رسولاً للجمال. استمدّ مادّته من الروح الانسانيّة، وعالجها بأسلوب
جماليّ، فصُنِّف نتاجه تُحفة غالية بين التُحف الأدبيّة العالميّة.
مفردات تتضمّن معانٍ رمزيّة:
- الثمار: أعمال الإنسان.
- النهر: مسيرة الإنسان في هذه الحياة.
- الأمواج الهادئة: الناس البسطاء والمتواضعون.
- الأمواج القويّة: المتكبّرون.
- البحر \ الشاطئ: الخالق.
- المعلّم: الخالق.
- حبيبي: الله – الخالق.
- المجهول الاسم: الخالق.
- كاف المخاطبة: الله.
- الغريب الأبديّ: الخالق.
- سيّد الأهراء: مصدر الخيرات (الله).
- رفيق الدرب: الخالق.
- الجسد: سجن الروح.
- الشذا: رمز الولادة عبر التقمّص \ الرائحة الطيّبة.
- ألفيتني من جديد في الحياة: التناسخ – التقمّص.
- قطرة الندى: الإنسان الضعيف العامر قلبه بالمحبّة.
- الشمس: مصدر الحياة – القوّة العظمى.
- المساء: الموت.
- المغادرة: الموت.
- أخفيتني في المنيّة: الموت.
- تمتمة: مناجاة.
- أجلستها على عربة: المجد الدنيويّ.
- المرأة: الروح والحياة.
- تغنّيت بمجدها: الإطراء – المدح.
- غازلتها: المحبّة.
- الشتاء: الصعوبات التي تواجه الإنسان وتقضي عليه.
- المسافر: المنتقل من دنيا المادّة إلى دنيا الروح.
- بوّابة القصر: العبور من دنيا المادّيّات إلى دنيا الروح.
- خلاخل مرصّعة بالجواهر: المادّيّات.
- الليل: الانغماس في ملذّات الدنيا.
- أثقلت يدي: المادّيّات.
- السيف القاطع: الرغبات والشهوات.
- المغلوبون: المنغمسون في الشهوات.
- البرعم: الإنسان المقيّد الحبيس، المنغمس في الشهوات
الدنيويّة.
- حفنة من التراب: الجسد وأهواءه – المادّيّات.
- العقد الثمين: ملذّات الدنيا وشهواتها.
- نجار الكهرباء الساخن: الكبرياء.
- حنى رأسه: تواضع واحترم الآخر.
- التراب: جسد الإنسان الفاني الزائل.
- السلسلة الذهبيّة: العادات والتقاليد.
- القبلة: الحبّ.
- العصافير: العطاء.
- فارغ اليدين: الفقر.
- الملاّح \ البحّار: المسافر الذي تخلّى عن المادّيّات.
- البياض: النقاء والطهارة.
- الصباح: النور.
- الوردة البيضاء: السلام.
- العاصفة: المصاعب.
- النور: الهداية.
- الجدار: الحاجز بين الخير والشرّ.
- شروق الشمس: ابتعاد الحياة النورانيّة، أو العكس.
- رسالة النور: الهداية والحقّ والخير.
- الزهرة: الإنسان المعطاء.
- المصباح الترابيّ: المعارف المادّيّة المحدودة.
- الألم: التضحية.
- اللؤلؤة: جوهر الإنسان ونفسه.
- الأيّام المقبلة: الحياة الأبديّة.
- نسيم الربيع: روح الخير – الشباب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق