|
الدكتورة ندى مغيزل: التربية شرط بقائنا في العالم بناة لا مستهلكين |
|
الدكتور نمر فريحة:لا يمكن تطبيق التجربة الأميركية على الدول العربية |
صحيفة المستقبل - باسمة عطوي - 19 أيّار 2004
هل
يمكن ان تكون المدرسة مفتاح تغيير أنماط التفكير لجعلها قابلة لثقافة العولمة، كما
يراهن على ذلك أقطاب هذه الثقافة؟ وإذا كانت كذلك فما هو دور ثقافة المجتمعات
الصغيرة في العلاقة التي ترتكز على أسس ثلاثة هي المدرسة والطالب والمجتمع،
وبالتالي ما هو شكل العلاقة المفترضة بين الطالب والمدرسة طالما ان تغييراً
أساسياً من المفروض أن يطرأ على ركائز المدرسة في القرن الواحد والعشرين وأهدافها؟
طرح
هذه الأسئلة قد يبدو مجدياً في ظل الأوضاع السياسية والاجتماعية التي تعيشها دول
منطقتنا التي يتفاوت قبولها ورفضها لطروح العولمة التربوية، وبالتالي من المفيد
إلقاء الضوء على القدرات التي من المفروض أن تزود المدرسة بها أبناءنا طالما ان
الدور التقليدي للمدرسة، والقائم على السلطوية والتوجيه الأخلاقي في التعاطي مع
التلاميذ والذي كان يحظى بمساندة ثقافة المجتمع الذي ظلّ ينظر الى المدرسة كمكان
للتعليم واكتساب الأخلاق، قد ولّى الى الأبد.
يؤكد
الرئيس السابق للمركز التربوي للبحوث والانماء الدكتور نمر فريحة "ان الثورة
التكنولوجية، بالاضافة الى بعض النظريات التربوية، كان لها الدور الفعّال في تغيير
شكل العلاقة بين المدرسة والتلميذ منذ النصف الثاني من القرن الماضي، فهذان
العنصران أسهما في تحويل التلميذ من عنصر سلبي الى عنصر فاعل بات مطلوباً منه
القيام بأبحاث ونشاطات والتفاعل مع البيئة المحيطة به، وبالتالي لم تعد المدرسة
حصناً مسوراً، بل جسر تواصل بين التلميذ والبيئة المحلية والعالمية".
ويضيف:
"من هنا حصلت وتحصل محاولات جدية في لبنان والمنطقة لتعديل المناهج وطرائق
التدريس وتدريب المديرين بمقاربة تدفع الى التواصل مع المجتمع المحلي، ففي هذه
الناحية بتنا نرى مجالس لأولياء الأمور تتشكل في المدارس وتقيم علاقة نقاش
اكاديمية معها، وتخفف من دور المدرسة السلطوي وترفض العنف الجسدي، أو اجبار الطفل
على التصرّف كالرجال في مرحلة الطفولة كما ان الهالة حول المدير والأستاذ اختفت
ولو على مستويات مختلفة".
هذا
التحول الذي طرأ على دور المدرسة في القرن الواحد والعشرين اعطاها في المقابل
مهمات وقدرات عليها اكسابها ونقلها الى التلميذ، وتحددها الدكتورة المحاضرة في
كلية التربية في الجامعة اليسوعية ندى مغيزل نصر بأن "للمدرسة دوراً جوهرياً
في تحضير التلاميذ للقرن الواحد والعشرين، فالتأمل في جودة التربية التي تنتجها
وفي نوعيتها أمر وطني اذا ان هذه التربية شرط بقائنا وتقدمنا وانخراطنا في العالم
لا كمستهلكين تابعين بل كبناة مشاركين في صنعه، وبالتالي فالقدرات التي على
المدرسة تزويدها للتلميذ نوعان. أولاً القدرات التي تدخله في ثقافة العلم، وثانياً
القدرات التي تعدّه للعيش مع الآخرين في عالم منفتح ومتنوع. فالقدرات الأولى تؤهله
للتعلّم المستمر في عالم لم يعد فيه التعلم مرحلة من مراحل الحياة بل أصبح طريقة
عيش، فالتعلم المستمر مقاربة تعليمية أساسية في الألفية الثالثة، والتعليم الخطوطي
لم يعد يتناسب مع العالم المهني الذي نحن نتوجه إليه، لأن هذا العالم يتغير بسرعة
ولأن أي شخص لن يبقى في منصب واحد طيلة حياته".
وتضيف
نصر "مقومات هذه الثقافة تعليم التعلم وبناء المعرفة فألفين توفلر يقول
"ان الأمّي في القرن الواحد والعشرين هو الذي لم يتعلّم التعلّم، فنظراً الى
كمية المعلومات الهائلة التي يمكن للمرء الحصول عليها من جراء تقنيات التواصل
الجديدة، ونظراً الى تكاثر كمية انتاج المعلومات ينبغي على المؤسسات التربوية أن
تزوّد التلاميذ بقدرات تتيح لهم التموضع في سيل المعلومات الفائضة التي يمكنهم
الحصول عليها وهذا عبر قدرات عدة من خلال الطرائق التربوية المعتمدة، ومن هذه
القدرات القدرة على البحث عن المعلومات التي يحتاجون إليها ضمن الموارد الجديدة
التي تتيحها التقنيات الحديثة والقدرة على الاختيار في هذا السيل المتكاثر من
المعلومات، والقدرة على الربط والتوليف في ما بينها لبناء معرفة انطلاقاً من هذه
المعلومات الكثيرة المتوافرة، بالاضافة الى القدرة على التحليل والنقد للتمييز بين
الصحيح وغير الصحيح لأن شبابنا بحاجة أكثر من أي وقت مضى الى تعلّم التعاطي مع ما
يعرض عليه بشكل واعٍ ونقدي، فلا يسيّر في أي اختيار، اضافة الى القدرة على التساؤل
والفضول وبناء أجوبة جديدة وتنظيم المعلومات واستعمال التقنيات الحديثة والتعبير
والعمل مع الآخرين".
إذا
كان العنصر السياسي من أهم العوامل التي اسهمت في تغيير المناهج في لبنان ودول
المنطقة، سعياً الى تغيير صورة الآخر، (في لبنان بعد الحرب الأهلية، وفي الدول
العربية بعد تغيير الأنظمة مثلا نظام صدام حسين وحالياً من اجل بناء عراق جديد)،
كل ذلك يعكس وعي السلطة السياسية لدور التربية في "بناء طالب مواطن يشارك في
شؤون بيئته المحلية" كما يقول فريحة.
ويضيف
"هذا الوعي المجتمعي لموضوع المواطنية يتطلّب فهم المدرسة لجعلها مكاناً
منفتحاً لا يحرم مواطن الغد من عنصر المشاركة مستقبلاً، ومن هنا جاء الضغط
الاميركي على دول المنطقة لتعديل مناهجها، لأن الاميركيين يعتبرون ان في المناهج
الحالية دعوة الى التركيز على النواحي الدينية المؤدية إلى الأصولية مع التغاضي عن
تطبيق الديموقراطية وهم يحاولون تغيير هذا الواقع من خلال حذف نقاط واستبدالها
بأخرى كحرية التعبير والاختيار وقبول الآخر مهما كانت الفروق الدينية والعرقية
والثقافية على أمل ان لا تكون الأجيال متزمتة وترفض الآخر، خصوصاً بعد ثبوت حقيقة
مفادها انه لا يمكن محاربة الآخر بالدين او الاقتصاد، فالحاكم السياسي لا يقدر ان
يمنع التطرّف (بن لادن ملياردير)، وبالتالي الحل هو بمرور الأجيال عبر المدرسة في
ظل الزامية التعليم".
ويرى
فريحة "ان هناك مبالغة اميركية في تصور هذه الافكار او الخطط كسبيل لعدم
معاداة وكره شعوب المنطقة لسياستها، فصحيح ان المناهج التربوية الاميركية لعبت
دوراً أساسياً في صهر الاميركيين (من مختلف الثقافات) ضمن هوية واحدة، لكن هذا لا
يمكن نجاحه في الدول العربية خصوصاً انها ليست مجتمعات واحدة، فهناك فرق بين معطيات
التجربة الاميركية التي يحاول تطبيقها الساسة الاميركيون في المجتمعات العربية،
دون ان يعني ذلك ان ليس هناك تأثير للمدرسة على المواطن".
لكن، ما هو الأسلوب الذي تعدّ
المدرسة من خلاله التلميذ على ذهنية مواطنية منفتحة ومتسامحة؟ تجيب نصر قائلة:
"ان التربية على ذهنية مواطنية منفتحة، مقاربة متكاملة، هدفها ادخال الفرد في
ثقافة معينة، فلا بد من ان تكون المدرسة حاملة هذا المشروع فتطبقه في كل تفاصيل
الحياة التي تجري فيها كي يتمكن الطالب من تشرّب قيمة المواطنة بشكل حقيقي وعميق،
عبر محاور اربعة أولها البيئة المدرسية وطبيعة الحياة التي تجري في المدرسة
وثانيها العلاقة التربوية وثالثها طرائق التعليم والتقويم ورابعها محتوى المناهج".
في المقابل، هل يمكن لثقافة محلية حماية الطفل من
سيئات ثقافة العولمة؟ يجيب فريحة بدوره "لا يمكن عزل الجيل الجديد عن التأثر
بالعولمة سلباً وإيجاباً، ولو صممنا على ذلك كحكومات، اذ لا يمكن منع استعمال
الكومبيوتر او مشاهدة الاقنية الفضائية، لكن بقدر ما نتماشى مع العولمة ونحافظ على
خصوصيتنا نكون قد تجنبنا مساوئ العولمة، اذ لا مانع من اتقان اللغات واستعمالها
إلى جانب اللغة العربية، وكذلك لا مانع من اطلاع طلابنا واعدادهم وفقاً لمعايير
سوق العمل العالمية لكن مقابل الاستفادة من هذا الاعداد في وطننا، اذ لا يمكن
تأطير التفاعل الناتج من استخدام التكنولوجيا".
والحديث
عن اعداد الطلاب وفقا لمعايير سوق العمل العالمية، يفتح الباب لنقاش المهارات
الجديدة التي يجب على المعلم اكتسابها لمواكبة تبدلات القرن الواحد والعشرين، وفي
هذا الاطار ترى نصر ان هناك خمس مهارات جديدة على المعلم اكتسابها، اولها
"المهارات المتعلقة بتنظيم الحالات التعليمية وتنشيطها والتي تشمل القدرة على
اعتماد طرائق حيوية تدفع الطالب إلى المشاركة في بناء معرفته وتنمية قدرته على
التعلم، وتحفيزه على تقبل التعلم المستمر، والقدرة على اعتماد مقاربات تربوية
متنوعة لتأمين التعلم لكل الطلاب، فتزايد الجمهور المدرسي يعني تواجد استراتيجيات
تعليمية مختلفة داخل الصف، بالاضافة إلى قدرة المعلم على التقويم التكويني وتنظيم
العمل الجماعي ومعرفة المصاعب التعليمية التي يمكن ان يواجهها الطالب وكيفية
معالجتها وأيضاً القدرة على التربية على المواطنية".
المهارة
الثانية التي ترى نصر ان على المعلم اكتسابها "هي تلك المتعلقة بمحتوى المواد
التي هي في تطور مستمر، اما المهارة الثالثة فهي المتعلة باستعمال التقنيات
الجديدة لاستخدامها في العملية التعليمية وتتضمن المهارة الرابعة القدرة على العمل
الجماعي او المهارات الاجتماعية، خصوصا ان العمل كفريق بات من مستلزمات مهنة
التعليم وتظهر الدراسات وقع عمل الفريق التربوي على مستوى التحصيل لدى التلاميذ
كما تبين أهمية التعاون مع الاهل ايضا، ومن هنا لا بد من تنمية مهارات التواصل لدى
المعلم ليحسن التعاطي مع شركاء يزداد عددهم من معلمين آخرين واخصائيين إلى أهل
ومؤسسات مدنية".
وتختم
نصر بالقول "المهارة الأهم التي على المعلم اكتسابها هي تلك المتعلقة بتطوير
شخصه، فالمعلم يعلم اولا من خلال ما يكونه، فهو محور التماهي يجسد المادة ويفتح
القابلية لتعلمها او يصدمها، فهو الوسيط بين هذه المادة والتلميذ، فكيفية تقديم
الشيء بشكل يفتح قابلية التعلم والبحث والمطالعة، تدخل التلميذ في ثقافة التعلم اي
في مشروع مستمر، فيصبح بالفعل طالباً للمعرفة لانه يعي ان المعرفة ليست سلعة ميتة
تتناقلها الاجيال عبر المدارس لتعذيب الطلاب، بل هي اجوبة عن تساؤلات جوهرية طرحها
البشر على انفسهم عبر التاريخ وهي تعنينا، والمهارات المتعلقة بالمعلم ايضا هي
القدرة على التأمل بما يقوم به وتجديده وتحسينه".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق