سياسة قسم اللغة العربيّة

الأحد، 19 نوفمبر 2017

العاصِفَة


العاصِفَة

     العاصفةُ في الخارج، تَصْفِرُ وتُوَلْوِلُ، وبين الحينِ والحينِ تَلْمَعُ البُروقُ، فتُضيءُ جَنَباتِ البيتِ الصَّغيرِ ثمَّ لا تَلْبَثُ الرُّعودُ أَنْ تقصِفَ وتُزَلْزِلَ فيزدادُ تشنُّجُ عِصام وخفقانُ قلبِه. يَتَشَبَّثُ بحافَّةِ سريرِه، جاحظَ العينَينِ، ورُكْبَتاهُ تصْطَكّانِ من فَرْطِ الخوفِ والهلع.
     لا، لَمْ يَعُدْ يَحْتَمِلُ المزيدَ من هذه الفَرقَعاتِ المُزْعِجَةِ التي تُمَزِّقُ حَواسَهُ وتَخْطِفُ أنْفاسَهُ. لا بُدَّ منَ الاستِغاثَةِ بِجَدِّهِ في الغُرْفَةِ المُجاوِرَةِ، حيْثُ الدِّفْءُ والأمان.
     عِنْدَ جدِّهِ الحلُّ. وهكذا، مع لَمْعَةِ البَرْقِ، تشَجَّعَ وأَطلَقَ ساقَيْهِ لِيَصِلَ إِليه قَبْلَ أَنْ يُدَوِّيَ الرَّعْدُ... ونَجَحَ.
     وبَقِيَتِ العاصِفَةُ، في الخارجِ، تَصْفِرُ، وتَلْمَعُ البُروقُ لَحْظَةً، ثمَّ يَقْصِفُ الرَّعْدُ. لكنَّ الصَّبِيَّ، شيئًا فشيئًا، تَغَلَّبَ على حالةِ الرُّعْبِ، واسْتَعادَ قُدْرَتَهُ على النٌّطْقِ.
     عِنْدَ الصَّباحِ، عَزَمَ العَجوزُ على أَنْ يُلَقِّنَ الصَّبِيَّ درسًا في الجَمالِ، يُنْسيهِ ما عاناهُ في اللّيلِ مِنْ رُعْبٍ فأَمْسَكَ بِيَدِهِ، وَمَشى وإِيَّاهُ إِلى النَّافِذَةِ. أَزاحَ سِتارَتَها، وَدَلَّ بيَدِهِ إِلى البعيدِ، وظَلَّ صامتًا.
     كانتِ العاصِفةُ على انتهاءٍ. وَحِبالُ المَطَرِ تَحَوَّلَتْ إِلى رذاذٍ ناعِمٍ، وكُتَلُ الغُيومِ المتَراكِمَةِ أَخَذَتْ تَدْفَعُ بَعْضُها بَعْضًا استعدادًا للرّحيل. شَهَقَ عِصام منْ فَرْطِ الدَّهْشَةِ، وَقالَ: "اللّه ما أَجْمَلَ مَنْظَرَ الثَّلْجِ يا جَدّي!".
إدفيك شيبوب

"قمر الصّحراء أجمل"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق