سياسة قسم اللغة العربيّة

الجمعة، 26 يونيو 2015

كتب إميل دكّاش من الصفّ الثانويّ الثاني - الفرع العلميّ


الطبقيّة تاريخًا وواقعًا
تتعدّد العوامل والأسباب التي تؤدّي إلى زيادة التوتّر والمشاكل في المجتمع، كالاختلاف في الآراء تجاه الدين أو السياسة أو أيّ موضوع آخر. إنّ أحد أبرز أسباب هذا التوتر التمييز والاختلاف بين الطبقات الاجتماعيّة. ظهر هذا المفهوم في القرن التاسع عشر، وبدأ ينتشر في معظم المجتمعات ورافق انتشاره ازدياد في المشاكل والكراهية بين أفراد المجتمع الواحد.
اختلفت نوعيّة الطبقيّة مع التاريخ، حيث كان هناك نوع كبير من الصراعات المختلفة. ففي المجتمعات القديمة، كان هناك الصراع بين العبيد والأسياد، والصراع بين الفلّاحين ومالكي الأراضي أو الأقطاعيّين. أمّا في الوقت الحاضر، فهذه الصراعات لم تعد شائعة كثيرًا واستمرّ الصراع الأساسيّ بين الأغنياء والفقراء. فأساس مفهوم الطبقيّة هو الاقتصاد، أي قيمة مدخول الإنسان وأملاكه. بما أنّ الانسان فقد معنى الحياة الحقيقيّ، وبات الحكم على قيمة الإنسان واحترامه بناءً على سيارته وبيته وأمواله.
أصبحت الماديات تغلب المعنى الحقيقيّ والمعنوي في كلّ مجالات المجتمع، لذلك أصبحت المادة تعطي أصحابها السلطة وتوصل إلى المناصب العليا. إنّ معظم الناس يحترمون لا شعوريًا الأغنياء ويهابونهم أكثر من الفقراء. أنا شخصيًّا لا أستطيع أن ألومهم لأنّ المجتمع هو الذي فرض علينا وعلمنا أن نحكم على الناس بهذه الطريقة السطحيّة. والأسوأ من ذلك، وبالأخصّ في لبنان، أنّ الأغنياء يستخدمون سلطتهم ونفوذهم للحصول على أولويات في المجتمع. كما في إمكانهم أن يستفيدوا من الخدمات أكثر بكثير من الفقراء لأنّ الدولة منحازة لإرضاء هؤلاء الناس وإهمال الذين لا يملكون القدرة على فرض نفوذهم.
المثير للشفقة في لبنان هو أنّ أصحاب النفوذ والأملاك لا يساعدون ذوي الحاجة، إنّما يستخدمون أموالهم ونفوذهم لاستغلال الفقراء والضعفاء. فهذه الطبقيّة تؤثّر سلبًا على علاقة الطبقة الفقيرة بالسلطة كما تحدّ من تفاعل مواطني المجتمع  الواحد، ما يمنع بطريقة غير مباشرة تقدّم المجتمع وتطوّره، كما يزيد من الخلافات والنزاعات بين أعضاء المجتمع الواحد. إنّ الدولة تدعو دائمًا إلى المساواة، وتشدّد على ذلك من خلال نشر التوعية المتعلقة بهذا المبدأ، لكنّها لا تعمل بالمستوى المطلوب لتحقيق المساواة والمحافظة على حقوق الطبقة الفقيرة. إنّ السلطة المطلقة هي بيد أصحاب النفوذ وذوي الأملاك أي الأغنياء. فعلى الرغم من أنه من واجب الدولة إيجاد حلول جذريّة لهذه المشكلة، إلّا أنّها تغضّ النظر عن هذه المسألة وتتظاهر بعدم وجود هذا الفرق الشاسع بين الطبقات. على الرغم من كلّ التقدّم الصناعيّ والتكنولوجيّ والطبيّ الذي حقّقناه ونفتخر فيه، لا تزال الطبقيّة تعكس صورة متخلّفة لمجتمعنا وتمحو كلّ ذلك التقدّم والتطوّر. للأسف أصبحنا نعيش في مجتمع تكون فيه قيمة الورقة النقديّة الخضراء أقوى بكثير وأغلى من روح إنسان وحياته. إنّها مأساة عندما يفقد انسان حياته لأنّه لا يملك المال الكافي ليؤمّن العناية الطبيّة اللازمة. كما أنّ الغنيّ عندما يرمي فضلات طعامه وثيابه لا يفكّر أنّها قد تكون لقمة عيش وملبس لعائلة فقيرة. إنّه لأمر محزن أن نرى إنسانًا فقيرًا يبحث في مكب النفايات عمّا قد يزيد عن حاجة الغنيّ. فهو يحاول أن يجد ما قد يسدّ جوع عائلته، أو قد يجد ملبسًا يكسوها ويحميها من البرد. إنّ هذا المشهد يتناقض كليًّا مع مفهوم المساواة والمعنى الحقيقيّ لقيمة الإنسان. فنحن نحاول جاهدين أن نتشبّه بالغرب ونتظاهر بالتطوّر والانفتاح، لكنّنا نتجاهل مشكلة الطبقيّة التي تُخمد شعلة التطوّر والعلم والمعرفة. فصورة ولد فقير جائع تؤلم مجتمعًا بكامله وهي أقوى بكثير من غني يتباهى بأمواله وثرواته.
لكلّ مشكلة حلّ، وحلّ مشكلة الطبقيّة يحتاج إلى جرأة كبيرة للمطالبة بمبدأ المساواة وتطبيقه.
فشعوب كثيرة تخلّصت من التمييز، وتحرّرت من الطبقيّة من خلال مسيرة طويلة من الكفاح والصبر وعدم الاستسلام.
على كلّ إنسان أن يتشبّه بكارل ماركس ويجعله مثله الأعلى، ويحاول أن يتبع مسيرته في الحياة.

هكذا تجاهد الطبقات الفقيرة وترفع مستواها في المجتمع، وتنال المساواة، وتتحرر من هذه المهزلة التي نعيشها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق