المال والطبقيّة
المجتمع حاضنٌ لكمٍّ هائل من الناس
وكما هو معروف الناس لا تتساوى ثقافيًّا وماديًّا لذا جاء مفهوم الطبقة
الاجتماعيّة للدلالة على مجموعة من الناس، تتشابه في جملة من الخصائص الاجتماعيّة
والثقافيّة، تميّزها عن غيرها من الجماعات المكوّنة للمجتمع. هذا المفهوم يعود إلى
زمنٍ بعيدٍ، ومع ذلك يوجد خلاف بين الدّلالات العلميّة والرؤى الفلسفيّة للمجتمع
والعلاقات السائدة بين الأفراد المكوّنين له. وظلّ المفهوم الشموليّ المستخدم
للطبقات الاجتماعيّة يدلّ على التميّيز بين الأثرياء والفقراء في المجتمع الواحد،
وتتباين في مواقعها بالنسبة إلى العمليّة الإنتاجيّة وعلاقاتها بوسائل الانتاج.
فالكم الذي يحظى بالموقع الأقوى في الإنتاج هو المؤهّلون للسيطرة اقتصاديًّا،
وغالبًا ما يكوّنون الطّبقات المالكة أو الأرستقراطيّة أو الأغنياء، والكمّ الآخر
القليلو الإنتاج فيوصفون بالفقراء. مع العلم أنّ مفهوم الطبقات الاجتماعيّة لا
يقتصر على الاختلاف بين العلم والفلسفة فقط إنّما بين البلدان أيضًا.
الغنى والفقر كلمتان واسعتان بمعناهما الحقيقيّ وفي كلّ منهما نجد السعادة والحزن،
من الطبيعيّ أنّ الاغنياء وأطفالهم يسرحون في ترف العيش وينعمون بمختلف النعم فاذا
ارادوا الاستجمام واللّهو وجدوا لأنفسهم المئات، وإذا أرادوا التمويه عن أنفسهم
وممارسة النشاطات نالوا أفسح الملاعب والنّوادي بواسطة المال. وإذا طلبوا الأكل
والشراب تنعّموا وتلذّذوا بما طاب لهم. بينما الفقراء ممنوعون من معظم ما يشتهون
من المشتريات لأنّ آباءهم يحصون عليهم الدّراهم، كما يضيقون عليهم في رغبتهم
الطعام والشّراب والألعاب، وحتّى أحيانًا في اللّباس والمسكن نتيجة قصر المادّيات
والامكانيّات. في كلا الحالتين، نجد أنّ المال يسيّر الأمور ويدبّر الأحوال، وحسن
المعاملة بالمال توصل الأفراد إلى السعادة وأحيانًا إلى إسعاد من حولهم.
أمّا رأيي في
هذا فيكمن في تدبّرٍ أكثر في عمق القضيّة وأصرّ على كلمة "عمق القضيّة"
وتفهّم حكيم لطبائع ومفهوم الحياة. فمن ذا الذي يجزم أنّ وفرة الألعاب هي في صالح
التّربية الصّحيحة، أو أنّ تلبية كلّ الطّلبات هي في مصلحة بناء الشّخصيّة والبناء
النّفسيّ للأبناء، أو كثرة الطّعام والشّراب اللّذيذ هي دافع لمستقيم الأخلاق؟ إنّ
نفسيّة الأطفال وكيانهم شفّافان ونقيّان إذ يتأثّران بما يحيط بهما، يتربّيان على
ما ينموان عليه، فتتبلوران وتتكوّن أوصافهما وفقًا لما تتقولب فيه. فالطّفل الذي
يجد مبتغاه بمجرّد الطّلب سينمو متّكلًا على ذلك ولن يكون أمامه عائق، إذا كبر
ودارت عليه الأيّام دورة سلبيّة وخسر ماله، أن يبحث عن تلبية طلباته مهما كان
الثمن، أكان ذلك من سيّئ الأخلاق أو كريه المبادئ.
هذا الطّفل
سيكبر غير عابئ بالفقراء وغير آبه بمعنى كدّ العيش والعطاء ، كما كما أنّه لن
يتعلّم المشاركة في العمل ولن يتفهّم أثر الآخرين في حياته وسينظر للآخرين كأنّهم
وسيلة لأهدافه فقط. حتّى وجود أهله القليل الأثر في حياته اليوميّة لا يُنضج لديه
المفهوم الصحيح للعائلة، إذ إنّ الأهل يتركونه بين أيادي المربّيات اللواتي يبقبن
مربيّات غريبات حتّى ولو كنّ لطيفات التّصرّف. لا شكّ في أنّ هناك محورًا مهمًّا
يجب أن نؤكّد عليه وهو أنّ للحرمان أيضًا اثرًا سلبيًّا على نفوس الأطفال، لأنّهم
ينشأون بنفسٍ توّاقةٍ لكلّ جديد وغير قانعة بما لديها. والحلّ في ذلك يكمن عند
الوالدين ووجودهم الضروريّ في حياة أطفالهم سواء كانوا أغنياء أم فقراء. فللتربية
تأثير كبير وتوازن واعتدال في نفوس الأطفال. لذا عليهم أن يعلّموا أبناءهم معنى
تحمّل المسؤوليّة وألّا يكترثوا للمال الذي في أيديهم مهما كانوا أغنياء، ليكبروا
متفهّمين معنى الرّجولة والصّلابة.
المال وسيلة لا غاية، يجب أن يساعد الإنسان في تسهيل حياته ولا يدمّرها. وهو ضرورة
محتّمة لكنّه لا يوصله إلى معنى الحياة الحقيقيّ، إنّما ميراثٌ من العقل والادب
والرجولة والاعتماد على الذّات هو ثروة حقيقيّة، تؤدّي مع المثابرة إلى الوفير من
المال. وهذا ما يجب أن يتركه الآباء الحكماء لأبنائهم فيصبحون واثقين بحسن خطاهم
فيفارقونهم تاركين الصّلاح ينبت ويكثر ويعطي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق