مي زيادة وجبران خليل جبران |
أمتن
الروابط
نيويورك في 25 تمّوز 1919
عَزيزتي وسيّدتي ميّ.
1- منذُ كتبْتُ إليكِ حتّى
الآنَ وأنتِ يا ميّ في خاطري. وقد صرفْتُ الساعاتِ الطوالَ والأيّام مفكِّرًا بكِ،
مخاطِبًا إِيّاكِ، مُسْتَجْوِبًا خفاياكِ، مُسْتَقصِيًا أسرارَكِ. والعجيبُ أنّني
شعرْتُ مرّاتٍ عديدةً بوجودِ ذاتِكِ في هذا المكتبِ ترْقُبُ حركاتي، وتكلّمُني
وتُبدي رأيَها فيَّ وأعمالي.
2- أنت يا ميّ بالطبع
تستغْربينَ هذا الكلام، وأنا أستغرِب حاجتي واضطراري إلى كتابتِهِ إليك. وحبّذا لو
كان
بإمكاني معرفة ذلك السرّ
الخفيّ الكائن وراء هذه الحاجة الماسّة.
3- قَدْ قُلْتِ لي مرّةً:
" ألا إنّ بينَ العقولِ مساجلةً، وبينَ الأفكارِ تبادلاً قد لا يتناوله
الإدراك الحسّيّ، ولكن مَنْ ذا الذي يستطيع نفيه بتاتًا من بين أبناء الوطن
الواحد؟" إنّ في هذه الفقرة الجميلة حقيقةً أوّليّةً كنْتُ في ما مضى أعرفُها
بالقياس العقليّ، أمّا الآنَ فإِنّي أعرفُها بالاختبار النفسيّ. ففي الآونة
الأخيرة قد تحقّق لي وجودُ رابطةٍ معنويّةٍ دقيقةٍ، فهي أشدُّ من الروابط
الدمويّةِ والجينيَّةِ حتّى والأخلاقيّة.
4- وفي هذه الرابطة، يا ميّ، في هذا التفاهمِ الخفيّ،
أحلامٌ أغربُ من كلِّ ما يتمايلُ في القلب البشريّ، وأغنية عميقة هادئة نسمعها في
سكينة الليل، فتنتقِلُ بنا إلى ما وراءَ الليلِ، إلى ما وراءَ النهار، إلى ما
وراءَ الأبديّة. وفي هذه العاطفة، يا ميّ، غصّاتٌ أليمةٌ لا تزول لكنّها عزيزة
علينا. وإنْ كْنْتُ قد أبَنْتُ أمرًا خاصًّا بي فلكِ أنْ تُطعمي النارَ هذه
الرسالة
5- أسْتعطفُك يا صديقتي، أن تكتبي إليَّ، بالروحِ المُطْلقةِ
المجرّدةِ التي تعلو فوق سُبُل ِالبشر. أنْتِ وأنا نعلمُ الشيء الكثير عن البشر،
وعن تلكَ الميول التي تقرّبهم إلى بعضهم البعض، وتلكَ العواملِ التي تُبعِدهم عن
بعضهم البعض. فهلّا تَخَلَّيْنا ولو ساعةً واحدةً عن تلك السبُل ووقفنا محدّقينَ
بما وراء الزمن، بما وراءَ الأبديّة؟ والله يحفظك يا ميّ ويحرسك دائمًا.
صديقك المخلص
جبران خليل جبران " الشعلة الزرقاء" (بتصرّف)
أسئلة حول النصّ
1- النصّ رسالة. عيّن المرسِل- المرسَل إليها – مكان
وتاريخ الإرسال - المرسَلة.
2- اجمَعْ مِنَ الفقرات(1-2-3) الحقل المعجميّ للتفاهم
بين المتراسليْن، ثمّ بيّن دورَه.
3- استنادًا إلى الفقرة الثالثة، بيّن نوعَ الرابطة التي
تحدَّثَ عنها جبران.
4- اُضبط أواخر الكلمات في الفقرة الثانية.
5- وردت
الصورة البيانيّة الآتية في الفقرة الرابعة: " فلكِ أنْ تُطعمي النارَ هذه الرسالة " أُذكُر
نوعها واشرحها، وبيّن وظيفتها الدلاليّة.
6- أَعِدْ
كتابةَ ما يأتي واضِعًا " أنتم" بدلَ " أنتِ": منذُ كتبْتُ
إليكِ حتّى الآنَ وأنتِ يا ميّ في خاطري. وقد صرفْتُ الساعاتِ الطوالَ والأيّام
مفكِّرًا بكِ، مخاطِبًا إِيّاكِ، مُسْتَجْوِبًا خفاياكِ، مُسْتَقصِيًا أسرارَكِ.
والعجيبُ أنّني شعرْتُ مرّاتٍ عديدةً بوجودِ ذاتِكِ في هذا المكتبِ ترْقُبُ
حركاتي، وتكلّمُني وتُبدي رأيَها فيَّ وأعمالي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق