سياسة قسم اللغة العربيّة

الأحد، 3 ديسمبر 2017

عازفة البيانو (نصّ)


عازفة البيانو

      إتّكأت رَوَند على حافّةِ الشّرفة، تراقبُ العصفورَ الصّغير. وأَكثرُ ما أدهشها، من أوّلِ لحظةٍ، أنّ المغرّدَ المجتهدَ لم يكن كنارًا، ولا بلبلاً، حتّى ولا حسّونًا بل كانَ عصفورًا عاديًّا. لكنّ تغريده كان مشحونًا بالحرارةِ والحماسةِ، يُعطي من نفسه ِ أقصى ما يستطيع. يا للمغرّدِ السّاحرِ، كيف يتماوجُ الغناءُ من حنجرتِهِ!؟ حتّى مخالبُهُ الدّقيقةُ المتشبّثةُ بالغصنِ، بدتْ في حالةِ تحفّزٍ إلى الأمام. أيُّ انسجامٍ هذا بين غنائهِ وحركاتِ جسمِه!؟
      هنا وضعتْ رَوَند إصبعها على موطنِ ضعفها، وتساءلَتْ بجرأة: "هل حاولتُ مرّةً أن أعزفَ على البيانو، على نحو ما يغرّدُ العصفورُ الضّعيف؟"
      وفجأةً أسرعت روند إلى الهاتفِ، وكلّمت أستاذها. ولا نعلمُ على أيِّ ترتيبٍ اتّفقا. لكنّ الّذي نعلمُهُ، أنّ أهلها، دُهشوا لدى سماعِ عزفها، عصرَ ذلك اليوم.

      لقد دبّتِ الحيويّةُ والحرارةُ في لمساتِ أنامِلِها الرّشيقةِ، وتعالتِ الألحانُ الشّجيّةُ، وغمرتِ البيتَ والحديقةَ والحيَّ المجاورَ، وهرعَ أفرادُ أُسرتها من غرفهم، وقد علا الاستغرابُ وجوهَهُم، كأنّهم لا يصدِّقونِ آذانَهم المفتونةَ، بروعةِ ما يسمعون. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق