جبران خليل جبران |
مَناحَةٌ في الحَقل
عِنْدَ
الفجرِ قُبَيْلَ بُزوغِ الشمسِ، جَلسْتُ في وسَطِ الحقلِ أُناجي الطَّبيعةَ...... فَشَعرْتُ
بِنُمُوٍّ روحِيٍّ يُقرِّبُني مِنْ هذهِ الطبيعةِ، وَيُبيّنُ لي غَوامِضَ
أسرارِها.
وبينما كنْتُ
على هذهِ الحالةِ، مرَّ النسيمُ بينَ الأغصانِ مُتَنهّدًا تنهُّدَ يتيمٍ بائسٍ فَسألْتُ
مُستفهِمًا: "لِماذا تَتنهَّدُ يا أيُّها النسيمُ اللطيف؟" فَأجابَ: "لأنَّني
ذاهبٌ نحوَ المدينةِ، حيثُ تتعلّقُ بِأذيالي النقيّةِ، مكروباتُ الأمراضِ، وَتتشبّثُ
بي أنفاسُ البشرِ السَّامَّة. مِنْ أجلِ ذلك تراني حزينًا".
ثمَّ التفَتُّ
نحوَ الأزهارِ، فَرأيْتُها تَذْرِفُ منِ عُيونِها قَطراتِ الندى دمْعًا، فَسألْتُها:
"لِماذا البُكاءُ يا أيَّتُها الأزهارُ الجَميلة؟" فَرفعَتْ واحِدةٌ منْهُنَّ
رأسَها اللطيفَ وَقالَت: "نَبكي لأنَّ الإنسانَ سوفَ يَأتي وَيَقطعُ أعناقَنا
وَيذهبُ بِنا نحوَ المدينةِ، وَيَبيعُنا كَالعبيدِ، وَنحنُ حَرائِرُ، وَإذا ما جاءَ
المساءُ وَذَبُلْنا، رَمى بِنا في الأقْذار. كيف لا نَبكي وَيدُ الإِنسانِ سوفَ تَفصِلُنا
عنْ وطنِنا الحَقل؟".
وبعد هُنيهة،
سمعت الجَدْوَل يَنوح كالثَّكلى فسألته: "لماذا تنوح يا أيّها الجدول العَذْب؟"
فأجاب: "لأنّني سائر كُرْها إلى المدينة حيث يَحتقرني الإنسان ويَستخدمني
لرمي الأوساخ في مياهي الصافِيَة، كيفَ لا أنوحُ وَعنْ قريبٍ تُصبِحُ نَقاوَتي وسَخًا،
وطَهارَتي قَذَرًا؟".
ثمَّ أصغيْتُ
فَسمعْتُ الطُّيورَ تُغنَّي نَشيدًا مُحزِنًا، فسألْتُها: "لماذا تَنْدُبينَ
يا أيَّتُها الطيورُ الجَميلة؟". فَاقتربَ منّي عصفورٌ وَوقفَ على طَرَفِ الغُصنِ،
وَقال: "سوف يَأتي الإنسانُ حامِلًا آلةً جُهَنَّمِيَّةً تَفْتُكُ بِنا، فَنحنُ
نُوَدِّعُ بَعضُنا بَعضًا، لأنَّنا لا ندري منْ مِنّا يَتملَّصُ منَ الَقدَرِ المَحْتوم.
كيفَ لا نَندُبُ وَالمَوتُ يَتبعُنا أيْنَما سِرْنا".
طَلَعَتِ
الشَّمسُ منْ وراءِ الجبلِ، وَتوَّجَتْ رُؤوسَ الأشجارِ بِأكاليلَ ذَهبيّةٍ، وَأنا
أسألُ ذاتي: "لِماذا يَهدِمُ الإنسانُ ما تبنيهِ الطَّبيعة؟".
الثكلى:
فاقدة الولد
تملّص منه: أفلت منه
تملّص منه: أفلت منه
فتك: بطش
جبران خليل جبران- دمعة وابتسامة
- بتصرّف
-
اكتبْ
بخطٍّ واضِحٍ ومقروءٍ وحافظْ على الترتيبِ والنظافةِ في المسابقة. (علامة)
في
الفهم والتحليل: (19 علامة)
1- ادرسْ حواشيَ النصّ. (ثلاث علامات)
2- أينَ تتجلّى عناصرُ الأدبِ في هذا النصّ؟ (ستّ
علامات)
3- أنهى الكاتبُ مقالتَهُ بِالتساؤلِ الآتي:
"لِماذا يهدمُ الإنسانُ ما تبنيهِ الطبيعة؟" ما قيمةُ هذا التساؤلِ في
التعبيرِ عنْ نفسيّةِ الكاتبِ من جهةٍ، وفي التأثيرِ في القارئِ من جهةٍ أخرى؟ (ثلاث
علامات)
4- ما الأسلوبُ
الّذي اتّبعَهُ الأديبُ في هذا النصِّ، علّلْ إجابتَكَ بِمؤشّرينِ من النصِّ؟ (أربع علامات)
5- انْسَخِ
الفقرةَ الآتيةَ، وَاضبطْ أواخِرَ كلماتِها بِالحركةِ المناسبة:
وبعد هُنيهة، سمعت الجَدْوَل يَنوح كالثَّكلى فسألته:
"لماذا تنوح يا أيّها الجدول العَذْب؟" فأجاب: "لأنَّني سائر
كُرْها إلى المدينة حيث يَحتقرني الإنسان ويَستخدمني لرمي الأوساخ في مياهي
الصافِيَة. (ثلاث علامات)
***
أسس تصحيح الامتحان:
"مناحة في
الحقل"
1- نحن أمام نصّ نثريّ إبداعيّ للأديب اللبنانيّ
"جبران خليل جبران"، بعنوان "مناحة في الحقل". النصّ مأخوذ من
كتاب "دمعة وابتسامة". وقد تمّ التعديل في بعض أجزاء النصّ. كما تمّ شرح
بعض المفردات تسهيلًا لفهم النصّ. أمّا وظيفة الحاشية، فهي تسليط الضوء على النصّ
بهدف تسهيل فهمه.
2- تتجلّى عناصر
الأدب في هذا النصّ في كل ّجزء من أجزائه وهي:
أ- العنصر
العقليّ: وهو الّذي يكمن في موضوع النصّ، وفي صورة عناصر الطبيعة الّتي تتعرّض
للأذى من خلال سوء تصرّف الإنسان. وموقف الأديب من هذا العمل، فموضوع هذا النصّ
يثير اهتمام الإنسان.
ب- العنصر
العاطفيّ: النصّ وجدانيّ تبدو من خلاله العلاقة الحميمة الّتي تجمع جبران
بالطبيعة، إذ يتألّم لألمها ويتحسّس مشاكلها، ويتمنّى لو أنّ الإنسان كالشمس يتوّج
الطبيعة بأعماله.
ج- العنصر
الخياليّ: يتجلّى في صور كثيرة في النصّ كصورة النموّ الروحيّ فيشعر وكأنّ الطبيعة
جزء منه، وفي صورة غوامض أسرارها، وهذه الصور كلّها هي من نسج خيال الأديب.
د- الأسلوب:
اعتمد الشاعر أسلوبًا فنّيًّا تميّز بسهولة الألفاظ وذلك لتترك أثرًا في السامع،
وبجمله المتكاملة في ما بينها الّتي تعبّر عن مشاعره تجاه الطبيعة الّتي يمعن
الإنسان في تشويهها من خلال تصرّفاته الرعناء. كما استخدم الكاتب الأسلوب
الإيحائيّ الرمزيّ التشخيصيّ المحيي لجمادات الطبيعة " لماذا تتنهّد يا أيّها
النسيم اللطيف؟...." فالصور البيانيّة كلّها اجتمعت لتحقّق التآلف بين مختلف
عناصر الأدب.
3- تكمن قيمة
هذا التساؤل في إظهار علاقة الكاتب الوثيقة بعناصر الطبيعة، فهو يتحسّس آلامها،
ويشاركها معاناتها. جبران يتحسّس المشكلة، ويتعاطف مع الطبيعة كتعاطفه مع
الإنسان.........
كذلك فقد سعى جبران إلى التأثير في القارئ بهدف توعيته
لإدراك أهميّة الحفاظ على عناصر الطبيعة وحمايتها من كلّ أذى أو إعتداء، ولاكتشاف
المفارقة بين عمل الطبيعة البنّاء وعمل الإنسان الهدّام....
4- أسلوب النصّ
إبداعيّ، والمؤشّران هما:
-
استخدام المفردات التضمينيّة - حضور الصور الفنّيّة (مع الشواهد)
5- وَبعدَ هُنيهةٍ، سمعْتُ الجَدْوَلَ يَنوحُ
كَالثَّكلى فَسألْتُهُ: "لماذا تنوحُ يا أيُّها الجدولُ العَذْبُ؟"
فَأجابَ: "لِأَنّني سائرٌ كُرْهًا إلى المدينةِ حيثُ يَحتقرُني الإنسانُ
وَيَستخدمُني لِرمي الأوساخِ في مياهي الصافِيَةِ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق