العَظَمة شيء.. والآدمية شيء آخر
يُحكى أنَّ رجلًا من ديار
بكر، إحدى المدن العثمانية النائية، كان عنده ابنٌ سيّءُ السيرة والسريرة. وحين
قطع الرجل أمله من إصلاح ابنه طرده عنه قائلًا له: "إنَّك لن تصير
آدميًّا".
وذهب الابنُ هذا ودخل في
الجندية حيث أظهر تفوُّقًا وصار يرتقي إلى أن أصبح، بعد وقت طويل "صدراً
أعظم"، أي رئيسَ وزراء في الأستانة. وفطن حينئذ إلى والده الذي حكم عليه
حكمًا مطلقًا أنه لن يصير آدميًّا، وأرسل يستدعيه تحت الحفظ، دون أن يُخبر أحدًا
أن المطلوب ‘حضاره هو أبوه.
وسيق الرجلُ محفورًا ذليلًا من
مدينة ديار بكر النائية إلى الآستانة، التي قيل إن "المطلوب إليها مفقود،
والخارج منها مولود"، بسبب ظلم حكّامها وسوء معاملتهم لرعاياهم، وهناك
استدعاه الصدر الأعظم إليه، فمثُل بين يديه فحيَّى الصدر مرتعدًا من الخوف، دون أن
يتجرَّأ ويرفع نظره إلى الصدر الأعظم.
فسأله الدرُ الأعظم عن ابنه.
فظن الرجل أن ابنه هذا، لا بدّ أن يكون قد ارتكب جريمةً في حجم الخيانة العظمى،
وهذا ما استوجَب إحضاره بهذه الطريقة المخزية إلى الآستانة، فقال وهو يرتعد من
الخوف: "ابني المذكور، يا سيدي، كان سيِّء السيرة والسريرة، رديء الأخلاق،
وحينما يئست من جعله آدميًّا تبرَّأتُ منه وطردتُه عني منذ وقت بعيد، وأنا لا أعرف
عنه شيئًا، ولستُ مسؤولًا عنه".
قال الصدرُ الأعظم: "أنا
هو ابنك... وها قد أصبحتُ صدرًا أعظم".
فرفع الرجل هامتَه وحدَّق
مليًّا في وجه ابنه، وقال: "أنا لم أقل إِنّك لن تصيرَ صدرًا أعظم.. لكنني
قلت إنك لن تصيرَ آدميًّا، وما زلتُ عندَ ظنّي فيك".
ولذلك
يقول المثل: "العَظَمة شيء... والآدمية شيءٌ آخر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق