سياسة قسم اللغة العربيّة

الاثنين، 13 فبراير 2017

الكلامُ مِن فِضَّة والسكوت مِن ذَهب (7- من كتاب حكايات أدبيّة من الذاكرة الشعبيّة لسلام الراسي)


الكلامُ مِن فِضَّة والسكوت مِن ذَهب
       يُحكى أنَّ أكثر الأمثالِ العربية رواجًا، المثلُ القائل: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب". ولهذا المثل حكاية، ربما بُني المثل على أساسها، أو ربما بُنيت الحكاية على أساس المثل، ولا بأس، فالحكاية طريفة وتجدرُ روايتُها هنا، لئلا تضيع.
       يُحكى أن رجلًا أصابه فالجٌ فأقعده، والمثل يقول: فالج لا تعالج". وكان الرجلُ ملجاجًا كثيرَ التذمر، لا يستقُر على حال ولا يهدأ له بال. فابتكرَ أولادُه طريقةً لتسليته، وهي أنهم استأجروا قندلفت كنيسةِ قريتهم يجلسُ إِليه باستمرار ويسليه بما عنده من قصص وأخبار، لقاء نصف "مجيدي" في النهار، إلى أن أخذَ الله منه أمانَته فأراح واستراح.
       وحدث بعدئذٍ، أن رجلًا آخر في القرية، شاخ وأقعده عجزه عن الذهاب والإياب، وكان كثير الكلام يُسعده أن يجد مَن يصغي إلى أحاديثه باهتمام، ففطنت زوجته إلى القندلفت نفسه ودعته وقالت له: دفعَ لك الجماعةُ نصفَ مجيدي في النهار، لقاء أحاديث متواصلة كان عليك أن تُجهدَ عقلَك لتدبيرها وأن تُتعب لسانك بسردها لكي تسلّي الرجل، أما أنا فكل ما أطلبه منك أن تجلسَ فقط إلى زوجي وتُصغي إلى أحاديثه، بدون أي عناء، وأدفعُ لك الأجرة نفسها".
       فقبل القندلفت، وباشر عمله بالجلوس والإصغاء إلى الرجل، الذي صدف أن لسانَه كان لا يزالُ سليمًا معافى، دون سائر أعضاء جسمه – مثل الصباط يهترىء ويبقى لسانه جديدًا- وهكذا بدأ الرجل يتكلم، بدون انقطاع، فيأخذ القندلفت ثم يرده، ثم يعيده بالحديث إلى حيث بدأ به، ثم يسأله: "أين صرنا بالكلام"؟ فيبدأ القصة أحيانًا من طرفها ثم يعود إلى أولها... "وفتناك بالكلام"... وبيرجع مرجوعنا"... "وبلا مؤاخذة من حضرتك"... وتنذكر ما تنعاد"... "ويرحم بيك...".
       ولم تكدّ تمر ساعةٌ من الزمن حتى ضاقَ صدرُ القندلفت وفرغ صبرُه، فنادى زوجةَ الرجل وقال لها: "بدّي اعرف مين قطعلك سعر السكوت مثل سعر الحكي؟ استلمي زوجك! وأنا رزقي عالله".

       ولذلك يقول المثل: "الكلام من فضة والسكوت من ذهب".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق