إن جنّوا ربعَك، عقلك ما بينفعك
يُحكى أنَّ وجيهًا قرويًا ارسلَ ابنَه إلى بيروت ليتعلّم في إحدى مدارسها.
فانخرطَ الولدُ في إحدى الفرق الموسيقية، وأهملَ دروسَه، ولم يتعلّمْ سوى التزمير
بالمزمار.
وعاد الولدُ أخيرًا إلى قريته ومعه
المزمار، وجلسَ في المساء على شرفةِ بيت أبيه، وأخذ يلعبُ على المزمار، فأقبل إليه
بعض الفتيانَ معجبين. ثم كثر عددُ الزائرين المحبّذين، فقال أبوه: "تسوكر
مستقبل الصبي، يا أم حنّا، الجايين لعنا أكثر من الرايحين، هيك بتكون
الوجاهه".
وأخذت حفلات المزمار تتكرر كل مساء، وتزايد
عدد القادمين والمؤيِّدين، فقلقت أفكار بعض وجهاء القرية الآخرين.
- "بوحنا
بَدّو يعمل وجيه على صوت المزمار، لازم نلحق حالنا ونلملم ولادنا، جاب بوحنا
مزمار، لازم نحنا نجيب
دربكّة،
بكره مامنعود نمون على ولادنا إذا "أخذوا كسرَه" على بيت بوحنا".
وهبط في اليوم التالي، أحدُ رجال القرية
إلى بيروت واشترى دربكة، وبدأ في الحال تصريف الأعمال: "فإذا هبَّ هؤلاء إلى
التزمير ردّ عليهم أولئك بالضرب على الدربكَّة – وما بيردّ الرطل إلا رطل ووقية.
ولم يمضِ سوى قليلٌ من الزمن حتى تشيَّع نصفُ
أهل القرية إلى حزب الدربكة، والتحق النصف الآخر بفريق المزمار، وتعطلّت مصالح
القرية، لانصراف هؤلاء وأولئك إلى مداومة الدقّ والتزمير وممارسة أعمال الاستفتزاز
والتشهير.
رجلٌ
واحدٌ في القرية لم ينجرفْ في تيّار الدّق والتزمير.
بقي الرجلُ على الحياد –كبَّر عقلَه –
فحادَ عنه الجميع. نبذه الفريقان، تهجّموا عليه بعنف: "يا معنا يا
علينا".
واعتصم الرجلُ بحياده، ثابرَ على عناده،
عاشَ وحيدًا حتى خشي أن يموت مكسور الخاطر.
وفي ذات صباح شوهد الرجلُ يشدّ طبلًا على
تارة غربال عتيق، فسألوه: "شو عدا ما بدا حتى قررت أن تصير طبالًا، في آخر
الزمان؟"
قال: "إن جَنوا ربعك، عقلك ما
بينفعك".
فجرى جوابه مثلًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق