سياسة قسم اللغة العربيّة

الأربعاء، 25 فبراير 2015

الإعلامُ الجَديدُ



     يَشْغَلُ الإِعلامُ مِساحَةً واسِعَةً في حَياةِ الإِنسانِ المُعاصِرِ الذي يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، في الحُصولِ عَلى المَعْلوماتِ، وَتَوْفيرِ الراحَةِ الذِهْنِيَّةِ وَالمُتْعَةِ الفَنِّيَّةِ في بَعْضِ الأَحْيانِ.
     تُقَدِّمُ أَجْهِزَةُ الإِعْلامِ أَفْكارًا مُتَنَوِّعَةً وَرُؤًى جَديدَةً لِلأَشْياءِ وَالأَحْداثِ، تُهَيِّئُ لِلإِنْسانِ المُعاصِرِ إِمكانَ الانفِتاحِ عَلى العالَمِ الخارِجِيِّ، وَذلِكَ كَنَتيجَةٍ طَبيعِيَّةٍ لِلَتَقَدُّمِ الهائلِ في أَساليبِ الاتِّصالِ. وَيَظْهَرُ مَدى قُوَّةِ ارتِباطِ الإِنْسانِ المُعاصِرِ بِالإِعْلامِ، عِنْدَما تَنْظُرُ إِلى طولِ الفَتْرَةِ التي يَقْتَطِعُها الفَرْدُ العدِيُّ مِنْ حَياتِهِ اليَوْمِيَّةِ لِمُشاهَدَةِ التِلْفِزيونِ، وَمُتابَعَةِ بَرامِجِ الإِذاعاتِ العالَمِيَّةِ، وَتَصَفُحِ الجَرائدِ وَالمَجَلّاتِ. كَما يَظْهَرُ ارتِباطُهُ أَيْضًا في تَقْليبِ صَفَحاتِ الإِنْتِرْنِت، وَزِيارَةِ المَواقِعِ المُخْتَلِفَةِ عَلى الشَبَكَةِ الدَوْلِيَّةِ لِمَعْرِفَةِ المَزيدِ مِنْ أَحْوالِ العالَمِ الذي يَعيشُ فيهِ. وَهذا ما يُقَوّي شُعورَهُ بِالإِنْتِماءِ إِلى العَوْلَمَةِ، وَالإِحْساسِ بِأَنَّهُ مُواطِنٌ عالَمِيٌّ، وَلَيْسَ مَجَرَّدَ فَرْدٍ يَعيشُ في مُجْتَمَعٍ مَحَلِّيٍّ مَحْدودِ المِساحَةِ وَالتأثيرِ.
     فَالإِعْلامُ إِذًا يُعْتَبَرُ إِحْدى حَقائقِ الحَياةِ المُعاصِرَةِ، وَواحِدًا مِنْ أَهَمِّ قِوى تَشْكيلِ السُلوكِيّاتِ وَالقِيَمِ وَالعَلاقاتِ الإِنْسانِيَّةِ وَالثَقافِيَّةِ. فَهْو يَبُثُّ، مِنْ خِلالِ قَنَواتِهِ المُتَعَدِّدَةِ وَالمُتَنَوِّعَةِ، أَفْكارًا وَآراءً تَتَسَلَّلُ في رِفقٍ وَهَوادَةٍ إِلى أَذْهانِ الجَماهيرِ العَريضَةِ، فَتَعْمَلُ عَلى تَغْييرِ واقِعِ حَياتِهِمْ وَتَغْرِسُ فيهِمْ قِيَمًا جَديدَةً، تَزيحُ أَمامَها أَنْماطَ القِيَمِ التي تَرَبَّوا عَلَيْها، خِلالَ عُصورٍ طَويلَةٍ سابِقَةٍ مِنْ حَياةِ المُجْتَمَعِ.
     هكَذا يَقومُ الإِعْلامِ بِدَوْرٍ حَيَوِيٍّ في نَشْرِ ثَقافَةٍ عامَّةٍ مُوَحَّدَةٍ بَيْنَ فِئاتِ المُجْتَمَعِ الواحِدِ مِنْ ناحِيَةٍ، مِثْلَما يَعْمَلُ مِنَ الناحِيَةِ الأُخْرى عَلى التَقْريبِ بِقَدْرِ الإِمْكانِ بَيْنَ الثَقافاتِ المُخْتَلِفَةِ. وَكَذلِكَ يُساعِدُ الإِعْلامُ عَلى نَشْرِ روحِ الاحْتِرامِ، مِنْ خِلالِ التَعَرُّفِ عَلى الثَقافاتِ المُغايِرَةِ.
     وَعَلى هذا الأَساسِ يُمْكِنُ اعتِبارُ الإِعْلامِ جِسْرًا يَرْبُطُ بَيْنَ حَياةِ الأَفْرادِ الشَخْصِيَّةِ الخاصَّةِ وَالعالَمِ الكَبيرِ الذي يَعيشونَ فيهِ.
     وَمِنْ هُنا تأتي خُطورَتُهُ الحَقيقِيَّةُ، إِذْ يَتَغَلْغَلُ تأثيرُهُ في كُلِّ جَوانِبِ الحَياةِ بِغَيْرِ استِثْناءٍ، الأَمْرُ الذي يَجْعَلُهُ يَتَمَتَّعُ بِسُلْطَةٍ رَهيبَةٍ يَحْسِبُ لَها الجَميعُ حِسابَها.
                                                  د. أَحمد مصطفى أبو زيد
                                                 مجلّة العربيّ – العدد 577

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق