تَمَنَيتُمْ عَلَيَّ أَيُّها الأَبناءُ الضبّاطُ، أَنْ أَدعُوَ دَورَتَكُمْ هذِهِ: "تَضحيةٌ وَوَفاءٌ". فَأَجْمِلْ بِهذا الاختِبارِ فاتِحةَ انتِصارٍ لَكُمْ‘ في عَصْرٍ يَحْتَدِمُ فيهِ الصِراعُ، بَيْنَ المادَةِ وَالروحِ! وَأَحْسِنْ بِهذا الشِعارِ المُسْتَوحى لِسائرِ الفِتْيانِ، في لبنانِنا الحَبيبِ، تُتَوِّجونَ بِهِ حياةَ الدِراسَةِ وَالإِعْدادِ، وَتَتَّخِذونَهُ قُدْوَةً وَدافِعًا في حَياةِ السَعْيِ وَالعَمَلِ!
تَضحيةٌ وَوَفاءٌ،
أَيُّ شِعارٍ أَجْدَرُ بِمَنْ كَرَّسوا حَياتَهُمْ، عَلى خِدْمَةِ العَلَمِ وَالوَطَنِ، وَنَذَروا نُفوسَهُمْ لِرِسالَةِ الجُنْدِيَّةِ السامِيَةِ الهَدَفِ، الواضِحَةِ السَبيلِ؟
تَضحِيَةٌ بِطُمأنينَةِ العَيْشِ، كَيْ تَشْمُلَ هذِهِ الطُمأنينَةُ مَعيشَةَ القَوْمِ أَجْمَعين. تَضْحِيَةٌ بِمَباهِجِ الحَياةِ، كَيْ يَتَمَتَّعَ بِها الجَميعُ أَوْفَرَ مُتْعَةٍ.
ثُمَّ وَفاءٌ لِلْفَضائلِ اللُبْنانيَّةِ المُتأَصِّلَةِ عَلى كَرِّ العُصورِ، لِهذهِ المبادئِ الخالِدَةِ التي تَوالَتِ الأَجيالُ مِنْ جُدودِنا الذينَ يَحْمِلونَ الخَيْرَ، عَلى تَوْطيدِها وَإِقْرارِها في صُلْبِ تاريخِنا العَريقِ، فَحُقَّ لَنا- وَحُقَّ عَلَيْنا- أَنْ نُسَلِّمَها بِدَوْرِنا إِلى البَنينِ وَالحَفَدَةِ الناهِضينَ، خالِصَةً مُثْمِرَةً، حافِلَةً بِالأَمْثالِ وَالعِبَرِ.
وَفاءٌ لِواجِبٍ مُقَدَّسٍ يَتَعَدّى نِطاقَ الحِفاظِ عَلى سَلامَةِ الوَطَنِ، إِلى تَجسيدِ المَناقِبِ التي تُبْنى عَلَيْها الأَوْطان.
أَيُّها الضُبّاطُ الجُدُدُ،
يَوْمَ وَطَّدْتُمْ العَزْمَ عَلى الانخِراطِ في سِلْكِ الجُنْدِيَّةِ، تَطَلَّعْتُمْ، وَلا شَكَّ، مَنْ تَقَدَّمَكُمْ، مِمَّنْ كَتَبوا، بِنِظامِيَّتِهِمْ وَوَعْيِهِمِ المَسْؤولِيَّةَ، صَفَحاتٍ مِنْ أَمْجادِنا، وَلا أَجْمَل.تَطَلَّعْتُمْ إِلى مُؤَسَّسَةٍ فَتِيَّةٍ، يُسَجِّلُ لَها التاريخُ، لِلَيَوْمِ، عِشْرينَ عامًا، مِنْ كَبيرِ المآثِرِ، مُؤَسَّسَةٍ نَفْتَخِرُ بِها مُنْذُ نَشْأَتِها، بِرِعايَةِ قائدٍ وَمُديرٍ حَكيمٍ، فَأَلِفْتُموها دَعامَةً أَساسِيَّةً لاستِقْلاِ بَلَدِنا العَزيزِ، وَسِياجًا لِسِيادَتِهِ وَعِزَّتِهِ.
أَيُّها الضًبّاطُ،
الجُنْدِيَّةُ رِسالَةٌ، فَكونوا، أَبْناءَ لُبْنانَ، رُسُلَ حَقٍّ وَحُرِّيَّةٍ وَكَرامَةٍ، لأَنَّ كُلَّ أُولئكَ مِنْ كَيانِ لُبْنانَ.
كونوا رُسُلَ إِخاءٍ وَمَحَبَّةٍ، لِأَنَّ الأُلْفَةَ وَالتَضامُنَ وَالوِحْدَةَ قِيَمٌ مِنْ صميمِ رِسالَةِ لُبْنانَ.
كونوا رُسُلَ إِنْسانِيَّةٍ، لِأَنَّ الجُنْدِيَّةَ تَعْني القُوَّةَ في سَبيلِ الحَقِّ، وَما حُقوقُ الإِنْسانِ ذاتُها سِوى وَليدَةِ القِيَمِ الإِنْسانِيَّةِ، وَإِنّ في تلكَ الرِسالَةِ، وَفي المُحافَظَةِ عَلى القِيَمِ، لَفِعْلَ إِيمانٍ بِلُبْنانَ.
فَعَلى بَرَكَةِ اللهِ، وَإِلى الأَمامِ في خِدْمَةِ العَلَمِ المُفَدّى، وَرِسالَةِ لُبْنانَ.
عاشَ لُبْنانُ.شارل حلو
رئيس الجُمهوريّة اللبنانيّة
ثُكْنة شكري غانم (الفِيّاضيّة)- 3 أيلول 1965
شارل حلو
وُلِدَ في بيروت في 25 أيلول 1913.
تَخَرَّجَ مِن معهد الحقوق في جامعة القدّيس يوسف للآباء اليسوعيّين. وبدأ حياته العلميّة محامِيًا ثمّ صحافِيًّا. فعمل مديرًا لجريدة "اللوجور" حتّى العام 1946 حين عُيّن سفيرًا في السلكِ الدبلوماسيّ.
انتُخب نائبًا عن بيروت، وتولّى مناصب وزاريّة متعدّدة، وانتُخب في 18 آب 1964 رئيسًا للجمهوريّة لمدّة ستّ سنوات.
له مقالات صحافيّة عديدة باللغة الفرنسيّة. كما صدر له الجزء الأوّل من مذكّراته وكتاب "نينا" أو جمع المستحيل بالفرنسيّة.
جُمِعَت خُطبه التي أَلقاها في أثناء تولّيه رئاسة الجمهوريّة في كتاب "مجموعة خُطب الرئيس شارل حلو 1964- 1970".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق