الصورة بعدسة الكاتب |
الألوان بخلاف البشر تحتاج إلى الشّمس الساطعة لتستيقظ من غفوتها، وتنفض عن نفسها ثقل النوم. بينما نحن لا يحول إحتجاب الشّمس الطالعة خلف طبقات الغيوم دون نهوضنا من أَسِرَّتِنا، وركضنا وراء عقارب السّاعة، ومضيِّنا في سبيلنا وراء شواغل نهاراتنا.
فانعكاسات الألوان الضوئيّة تحتاج إلى نور الشّمس لتشعّ. وإلى أن يلهو النّور معها، وبها، ويغمرها بما يصبّه عليها من شعاعاته. وأيًّا كانت الصورة التي تتجلّى بها هذه الألوان في الطبيعة فهي تزهو، وتشرق، وتبتسم، وتلتمع في إعتراضها للنور، ورميها لظلالها. وما على الصور المختطفة سوى التقاط اللّحظة المعبّرة بكامل ما تفرضه من إفتتان، ولطافة، وسحر.
والعين الموقّرة للّون، الشّغوفة به، الدائمة الانبهار بتجلّيّاته، لا تحتاج إلى الكثير من الجهد لتجده. فالألوان موجودة أينما كان، وبوفرة، لمن يوجّه إليها بصره، حتّى في عزّ الشتاء. فهي تقبع خلف كلّ انفراج في الطقس، أو كلّ هِدنة من هدنات المطر، عند كلّ عطفة طريق، على جوانب الأدراج، وخلف كلّ سياج. وسواء سلَّمْتَ مع "غوته" بأنّ "الألوان ليست حاصل تفلّق شعاع النور، بل هي حاصل تصادم وتداغم النور والعتمة"، أَوَ لم تسلّم، فإنّ عينك الناظرة لا يمكن أن تبقى محايدة، وباردة، وخالية من الشعور، والحساسيّة. وما تراه منك العين لا يمرّ دون أن يخاطب النفس. لا بل أعمق ما في النفس.
في الرّسم يتعيّن على الفنّان مزج الألوان لتأليف اللّوحات، وتشكيل الأعمال. أمّا في قلب الطبيعة، فالمصوّر لا يحتاج سوى أن يشاهد، ويشهد. لأنّ هناك من تولّى التّأليف عنه. وهناك من لوّن الأشياء وظلّلها. وما عليه هو سوى أن يقتنص التحام الشّعاع باللّون، وأن يتلمّس اللُّمع اللّونيّة، ويجعلك تلمس مدى جماليّتها الصارخة.
لذلك كلّه يساورني شعور بأنّ اللّقطات الفوتوغرافيّة النّاقلة لابتسامات الألوان أشبه بحبّات مسبحة، وأنّ الانصراف إلى أخذ مثل هذه الصور الماثلة فيها الألوان، والمغزولة من النور، أقرب ما تكون إلى الصلاة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق