بعد اغتيال الرئيس السابع بشير الجميل قبل تسلّمه منصبه، انتخب شقيقه الرئيس أمين الجميل.
(862 كلمة)
دولة الرئيس، حضرة النوّاب المحترمين، أيّها
اللبنانيّون،
بين الثالث والعشرين من آب، والثالث
والعشرين من أيلول، شهر يختصر عمرًا، وعمر يختزل تاريخًا. إنّهما عمر الديمقراطيّة
اللبنانيّة، وتاريخ الأصالة الوطنيّة، الأقوى من المحنة، والأبقى على مرّ العهود.
ديمقراطيّتنا في عمق الكيان، وأصالتنا في
بُعد الوجود، وما وقفات هذا المجلس النيابيّ الكريم، إلّا تعبير عنهما، وتجسيد
لهما.
لقد بقي المجلس، في وجه كلّ التحديّات
بفضل تصميم أعضائه، ومبادرة رئيسه، الصورة الحقيقيّة للإرادة اللبنانيّة، ومركز
الضمير الوطنيّ، يؤكّد على امتداد قراراته الشجاعة، وممارساته الواعية، أنّ وحدة
الأرض والشعب والمؤسّسات هي قدرنا المختار وأن لا بديل منها، ولا غنى عنها.
وها هو، في الإجماع الذي حقّقه منذ يومين،
يمثّل تمسّك اللبنانيّين بوحدة لبنان، وإصرارهم على إنقاذه.
إنّني إذ أتسلّم الأمانة من عهد، والقضيّة
من عهد آخر، الأمانة من عهد فخامة الرئيس الياس سركيس، الذي انتهت ولايته صباح هذا
اليوم، والقضيّة من عهد فخامة الرئيس الشهيد بشير الجميل الذي لم يُتح له أن يبدأ،
أعلن أنّ للرئيسين، على الوطن وعليّ، واجبَ الإنصاف للأوّل، والوفاء للثاني.
فالرئيس سركيس، عانى وصبر، ثابر وصمد،
والرئيس بشير، أخي ورفيقي حلم والتزم، ناضل واستشهد، فمن حقّ ذكراه علينا، أن نعمل
على تحقيق الأحلام التي راودته، والآمال التي عُلّقت عليه.
أيّها اللبنانيّون،
إنَني أتسلّم الرئاسة والوطن في حال من
العناء والعياء، وحدته حقيقة في الضمائر، وواقعه تمزّق على الأرض، وتشتّت، تتجاذبه
الأطماع، وتتقاذفه الأهواء، تعصف به الأحقاد، وتقوم الحواجز بين أبنائه.
والدولة تتنازعها مصالح الدول والدويلات،
معطَّلة المؤسّسات، منهوبة الموارد، مغتَصَبة المرافق.
بيروت العاصمة المشطورة بين غرب وشرق،
مُثْخنة بالجراح، تعاني آثار الدمار.
الجبل قلق من تفكّك الأواصر بين قُراه،
وكثرة الفواصل بين أهله.
الشمال أصابته العاصفة التي اجتاحت لبنان،
فباعدت بين جزء غال من الوطن وسائر أجزائه، يشدّ بنا الحنين إليه، ويناديه الوطن
للخروج من دوّامة المآسي والغربة، وإعادة اللُّحمة بين أبناء العائلة الواحدة،
بروح التسامح والإخاء.
البقاع مصدر الخصب والعطاء، في أرضنا
الطيبة، تحوّل إلى ميدان تتصارع فيه القوى الخارجيّة، وتشكّل تهديدًا مباشرًا عليه
وعلى لبنان.
أمّا الجنوب، ففي تطلّع دائم إلى الوطن
والدولة، متشبّث بهويّته اللبنانيّة وانتمائه العضويّ إلى الأرض الموحّدة.
إنّ لبنان 10452 كلم2 يأبى الانسلاخ كما
يرفض الارتهان، ويصرّ على أن يرجع إلى نفسه ويستعيد ذاته.
أيّها اللبنانيّون،
إنّنا أمام تحديّات مصيريّة لا بدّ من
مواجهتها، وأنا مصمّم على تأدية واجبي كاملًا في قيادة مسيرة الخلاص.
أنا من هذا المجلس بالذات، ابن هذا الشعب
الأبيّ، عشت معه، وكنّا شركاء معاناة ورفاق قضية. من أجل ذلك، أقول لكم إنّني أخوض
معكم، مغامرة الإنقاذ. إنّني أراهن على المستقبل الأفضل لجميع اللبنانيّين، في
العنفوان والمجد، في الفرح والسعادة، وأعرف تمامًا مطامح الشعب وحاجة الوطن. أوّل
ما يحتاج إليه الوطن وحدة أبنائه، ووقوفُهم سدًّا منيعًا بوجه كلّ ما يتهدّدهم من
أخطار. فالوحدة الوطنية أساس الوطن، والأولويّة للبنان، وللولاء المطلق، ولن نقبل
بأي ازدواجيّة في الولاء، فنحن كلّنا موحّدون، ولن نقبل شركاء في وطننا.
أيّها اللبنانيّون،
لن أقدّم لكم برنامج عهد، لأنّ همًّا
واحدًا يتملّكني الآن، هو وقف دورة العنف والنزف على أرض لبنان. يجب أن تنتهي كلّ
حروب الآخرين في لبنان، وضدّ لبنان.
يجب ضمان أمن الوطن وسلامة المواطن، ولن
يتحقّق ذلك إلّا من خلال دولة قويّة، مستقلّة سيّدة تصون الحريّات العامّة، وتعمل
على جلاء جميع الجيوش الأجنبيّة عن تراب الوطن، ويكون جيشها من كلّ لبنان، لكلّ
لبنان، ليكون على كلّ أرض لبنان جيش قادر يضع حدًّا لأيّ انتهاك للحرمات أو تطاول
على القانون.
أيّها اللبنانيّون،
في موازاة الجيش، ومن أجل ضمان التوازن
المؤسّسيّ في الدولة، يجب أن يعود للقضاء اللبنانيّ وحده سلطة المحاكمة والحكم
فيلمع سيف العدالة فوق كلّ الرؤوس، ويتحقّق العدل.
ويجب أن تعود الإدارة خادمة للمواطن،
تسهّل معاملاته، فلا ترهق أعصابه، ولا تهدر وقته أو حقّه، لذلك فلن يكون في الدولة
موضع إلّا للكفاية والجدارة، والأهليّة لأنّ الدولة ستكون مؤسّسة الكرامة والتضحية
والخدمة العامّة.
أيّها اللبنانيّون،
علينا أن نستحقّ لبنان لكي نستعيده، علينا
أن نرجع إليه لكي نسترجعه، فلقد كفانا غربة واغترابًا، كفانا هجرة وتهجيرًا،
واليوم موعدنا مع العودة الجماعيّة إلى لبنان، إلى الأرض الطيّبة المعطاء، إلى
النهضة الكبرى. إنّه موعد المصالحة مع النفس، مع الآخرين، موعد وحدة الإرادة،
ووحدة القرار، التي ترسي قواعد الاستقرار الوطنيّ وتوطّد دعائم الدولة الحديثة في
المجالات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والتربويّة والإنمائيّة والعمرانيّة، وهي
مواضيع سيكون لنا معها مواعيد قريبة.
أيّها اللبنانيّون،
إنّنا نزمع أن نوطّد علاقات صداقة، ومودّة
مع العالم بأسره، بدءًا بالأقربين، إخواننا العرب، فانتماء لبنان الى محيطه
العربيّ ليس شرطًا عليه بل خيار حرّ يحدّده واقعه ومصالحه ودوره الطليعيّ،
وعضويّته في جامعة الدول العربيّة.
كما نلتزم بميثاق الأمم المتّحدة وشرعة
حقوق الإنسان، وإذا كان لبنان يرفض الدخول في لعبة المحاور، فهو يصرّ على البقاء
في عِداد الدول المتمسّكة بالحريّة في العالم والتي تعتمد الحوار والديمقراطيّة
وتنبذ العنف والإرهاب، وتتصدّى لهذا الإرهاب.
دولة الرئيس، حضرة النوّاب المحترمين،
من مقعدي بينكم، في هذا المجلس الكريم،
إلى سدّة الرئاسة الأولى، لا شيء يتبدّل بالنسبة إليّ غير حجم المسؤوليّة، فكما
اضطلعت بها نائبًا سأضطلع بها رئيسًا، وسأفي بكلّ عهودي نحو الوطن المفدّى.
ويا أيّها اللبنانيّون،
اليوم يُبْرَم عقدنا مع
المستقبل: أن تكون الدولة الشرعيّة، دولتكم، هي الدولة ولا دولة سواها، وأن يكون
جيش هذه الدولة هو الجيش الحقيقيّ ولا جيش سواه، وأن يكون لبنان أرض سلام لبنيه،
ورسول سلام في المنطقة والعالم، ويظلّ ملتقى حضارات الدنيا، ورسالات السماء.
وعهدي لكم أن يكون لبنان أبدًا فوق شخص
الرئيس، والرئيس فوق صراعات الأحزاب والطوائف أمينًا على وحدة الوطن ومصالحه، على
استقلال الدولة وسيادتها، على حقّ المواطن وكرامة الانسان، ذاك إنّ القسم الذي
أدّيت، هو تزكية لالتزامي المطلق بالمبادئ التي نشأت عليها وعشتها، وسأفي بها ما
حييت.
يحيا لبنان!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق