1- يقولون: إنّ الفقرَ يدفعُ إلى الجرائم
والقتلِ وارتكابِ السَّرقات. وأنا أقولُ : إذا استطعْنا أنْ نفهمَ الجريمةَ
بمعناها الحقيقيّ، وألَّا ننخدعَ بِصُوَرِ الألفاظِ وألوانها، عَلِمْنا أنَّ
للأغنياءِ جرائمَ كجرائمِ الفقرِ بل أشدُّ منها خطرًا وأعظمُ
هوْلًا. فإنْ كانَ بينَ الفقراءِ اللّصوصُ والقتلةُ وقاطعو الطريق،
فبَيْنَ الأغنياءِ المُحْتَالونَ والمُزَّوِّرونَ والمُغْتَصِبونَ
والخائِنونَ والمُدَاهِنونَ والمُمَالئُون، وأصحابُ المعاملِ والشَّركاتِ
الذين يُغَذُّونَ أجسامَهم بدماءِ عُمالهم، والتّجارُ الذين يسرقونَ منَ الأمَّةِ
في شهرٍ واحد، باسم الحِرّيّةِ ِ التِّجاريَّة، ما لا يسرقُهُ منها جميعُ لصوصِ
البلدِ وعيّارِوه(2) في شهرٍ كامِل، والقَوَّامونَ (2)
والأوصياءُ الذين يرِثونَ التَّرِكاتِ
منْ دونِ وارثيها، ويأكلونَ أموالَ اليتامى والمعتوهينَ باسم صيانتِها والمحافظةِ عليها، والسَّماسِرةُ
الذين يغتالون الأسواقَ بأجمَعِها، والمُراربونَ الذينَ يختلِسون الثَّرواتِ
بكاملها...
2- على أنَّ جرائمَ اللُّصوِصيَّةِ والسَّرقاتِ والقَتِلِ ليسَتْ جرائمَ الفقر، بل
جرائمُ الغِنى .فـلولا شحُّ
الأغنياءِ بأموا لِهم وكَلَبُهم(3) عليها وحيازتُها عنِ الفقراءِ
لَمَا وُجِدَ في الأرضِ مجرمٌ قاتلٌ ولا سارقٌ ولا قاطعُ طريق. ولا يَسلبُ
السَّالب، ولا يَلِصُّ اللصُّ إلَّا جزءًا من حقِّه الذي كانَ يجبُ أن يكونَ له لو
كانَ للمالِ زكاة، وللرَّحمةِ سبيلٌ إلى الأفئدةِ والقلوب.
3- لِيفْتحِ الأغنياءُ المدارس، ولْيبنوا
الملاجِئ، ولْيُنشِئوا المصانعَ والمعاملَ للعاطلينَ والمتشرِّدين، ولْيتعهدوا المنكوبينَ والساقطينَ
في ميادينِ الحياةِ العامَّةِ بالمساعدةِ والمعونة، فإنْ وَجَدوا بعدَ ذلكَ لصوصًا
أو قتلةً أو مجرمينَ فَلْيتّهموا الفقرَ ويَنْعَوْا
عليه جرائمَه وآثامَه.
4- لا أريد أن أقول: إنّ الغنى علَّة فساد
الأخلاق، وانّ الفقْر علَّة صلاحها، ولكنّ الذي أستطيع أن أقوله عن تجربة واستقراء، إنِّي
رأيتُ كثيرًا من أبناء الفقراء ناجحين، وقليلا من أبناء الأغنياء عاملين.
5- إن العلومَ والمعارفَ والمخترَعَاتِ
والمُكْتَشَفَاتِ والمدنيَّة الحديثةَ بأجمعِها حسنة من حسناتِ الفقرِ. وما
المِدادُ(4) الذي كُتِبَتْ بِه المُصنَّفات، ودُوِّنَتْ به
الآثارُ إلّا دموعُ البؤسِ والفاقة، وما الآراءُ السَّاميَةُ التي
رفعَتْ شأنَ المدنيَّة إلى مستواها الحاضر إلّا أبخرُةِ الأدمغةِ المُترعَةِ(5)
بنيرانِ الهموم والأحزان، وما انفجرَتِ ينابيعُ الخيالاتِ الشِّعريَّة،
والتصوُّارتُ الفنِّيةُ إلَّا منِ صدوعِ(6) القلوب
الكسيرِة والأفئدِة الحزينة، وما أشرقتْ
شموسُ الذَّكاءِ والعقل في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها إلّا منْ ظُلُماتِ الأكواخِ
الحقيرة، وما نبغَ النَّابِغونَ منْ فلاسفةٍ وعلماءَ وحكماءَ وأدباءَ إلّا في مهودِ الفقرِ وجحورِ الإملاقِ(7). ولولّا
الفقرُ ما كانَ الغِنَى، ولولّا الشقاءُ ما وُجدَتِ السعادة.
مصطفى لطفي المنفلوطي(١۷۸٦-١٤٢٩)
من كتاب " النَّظرات"-ج٣/ص٢٢٢
(بتصرّف)
(1)العَيارون: الذين لا يردعون أنفسهم عن
الأهواء (4) الِمدَاد: الحبر
(2) القَوامون: مفردها القوّام، المُتكَفِّل
بالأمر (5) المُترَعة:
المُمْتلئَة، المُشْبَعَة
(3) كَلَبُهم: طَمَعُهم في المال (6)
صدوع: شقوق
(7) جحور الإملاق: بُؤَر
الفقر
أ
وًلا : في القراءة والتَحليل
1– استخلِص، في
حدودِ خمسٍ وعشرينَ كلمة، القضيّةَ التي يطرحُها الكاتبُ في الفِقْرةِ الأولى مِنَ
النَّصّ.
٢- عيِّنِ الكلمةَ - المِفْتاح
في الفِقْرةِ الثّانية، وأكِّدْ إجابتَك بدليلَيْن.
٣- بَيِّنْ ما يدعو إليه الكاتبُ في الفِقْرةِ الثّالثة،
مُبْرِازً غايته من هذه الدَّعوة.
٤- اضبطْ بالشَّكلِ
أواخرَ الكلماتِ في الفِقْرةِ الرَّابعةِ منَ النَّصّ. (لا يُعَدُّ الضميرُ آخرَ الكلمة)
٥- وضِّحْ، في سياقِ
النّصّ، وظيفةَ كلٍّ من أدواتِ الرَّبطِ المشارِ إليها بخطّ: (بل- لولا- لكن -
إلّا).
٦- في النَّصِّ
مظاهرُ أدبيَّة بارزة، أكِّدْ ذلك بأربعةٍ
منها معزِّزةٍ بالشَّواهد.
۷- يرى الكاتبُ في الفِقْرةِ الخامسةِ أنّ
للفقرِ حَسَناتٍ كثيرة. بيّنِ السَّببَ الذي دفعَه إلى ذلك، ثم أبْدِ أريَكَ مُعَلِّلًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق