الأدب التأمّليّ
من الخاطرة إلى الحكمة إلى الفكرة الفلسفيّة
منذ أن وُجد الإنسان على سطح
هذه البسيطة، تأمّل الوجود فظنّ أنّ حياته في قبضة الشمس، وقس على ذلك موقفه من
سائر موجودات القبّة الزرقاء والفلك، ومن بعض مظاهر الطبيعة كالصخور الهائلة، أو
عناصر الكون المؤثّرة في بنيانه كالرياح والبحار والأنهار الفيّاضة. هذا ما دفع بالإنسان إلى تأمّل جاهليّته الأولى
للكون والوجود والحياة، ثمّ استنتاجه عددًا من الخواطر الحكميّة البدائيّة. ومن
عرف ديانة سماويّة، تحوّل ذهنه من الوثنيّات إلى الإلهيّات، رغم أنّ قسمًا من
الناس بقيت عنده تساؤلات هي مثار جدل واختلاف بين الوثنيّة والإلهيّة، الأمر الذي
أدام التفكير المولِّد للتفكير حتّى لا ينقطع ما دام الإنسان يسعى إلى الحقائق
المطلقة.
وصلتنا الخواطر الحكميّة من
الجاهليّة في صيغة الجمل البليغة في إيجازها، المسجّعة في موسيقاها، ومن أشهر
الخواطر التي وصلتنا تلك العائدة إلى الإمام عليّ بن أبي طالب.
أمّا الحكمة فهي قول يلخّص
تجربة إنسانيّة تجاه موقف أو حادثة أو قضيّة خاصّة تصلح للعامّة، يُسعف القائلَ
فيه كثرةُ تجاربه أو عمق بعضها، وصفاء تأمّله، ورجاحة عقله، وعمق بصيرته، وبعد
نظره الذي يسمح له بدقّة الملاحظة وحُسن التحليل والتعليل والاستنتاج. ولا بدّ من
توافر ثقافة واسعة وعميقة حتّى تتحوّل الخوطر الحكميّة إلى فلسفة شموليّة.
الفيلسوف هو المفكّر الذي يضع
تصوّرًا متكاملًا أو شبه متكامل لنظرته إلى الوجود في وجهَيْهِ: الطبيعة Physique وما وراء الطبيعة Metaphysique، أي في هذه
الحياة وما بعد هذه الحياة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق