عبدالله عبد الدايم |
دورُ الشَبابِ في بناءِ المجتمع
1- في قلبِ الغليانِ العالميِّ الذي نشْهَدُه، وفي لُجَّةِ الضّياعِ
العريضِ الذي تتخبَّطُ فيهِ الشّبيبةُ في العالم، يحقُّ للمرْءِ أن يطرحَ سؤالًا
حادًّا: أيكونُ جيلُ الشّبابِ هوَ الأملَ والمُرتجى، أم يكونُ الإعصارَ الذس
يَعْصِفُ في بِنيَةِ الحضارةِ وبِنْيَةِ المجتمعات؟! وهل جيلُ الشّباب هوَ جيلُ
الحضارة، أم هو جيلُ انهيارِها وأُفولِها(1)؟!
2- الشّبابُ في العالم – وفي بلادِنا – مُعَرَّضٌ للضيّاع، إنْ لم تُؤْخذْ
مشكلاتُه على مَحمضلِ الجِدّ، وإنْ لم يُسْهمْ في علاجِها وحلِّها جيلُ الشّبابِ
وجيلُ الكهولِ معًا. فجيلُ الشّبابِ قادرٌ على أن يَضعَ حيويَّتَه وتعشُّقَه
للمُثُلِ العليا في مواضعِها لبناءِ المجتمعِ حينَ تُفْهَمُ مشكلاتُه، وتُدْرَكُ
متاعِبُه، وتُعَبَّأُ طاقاتُه تعبئةً سليمة.
3- إنّ عمرَ الشّبابِ في الأصلِ والجوهرِ هو عمرُ الأفكارِ والرّؤى
الجديدة، بل عمرُ البطولة. واليافعُ يمتازُ بهمومِه الرّوحيَّةِ والفكريَّة،
وبتعشُّقِه للمَثَلِ الأعلى، وتعلُّقِه بالمطلق، وبهذا يكنُ تجدُّدُ المجتمعاتِ
وتحرُّكُها. والمجتمعُ الذي ينتظرُ الخيرَ مِنْ شبابِه هو الذي يُعرِّفُهم إِلى
المبادئِ والقِيَم الإنسانيَّة، فحيويَّةُ أيِّ مجتمعٍ تُقاسُ بِمقدارِ ما يَملِكُ
شبابُهُ مِنَ التطلُّع.
4- وهنا تُفاجِئُنا أسئلةٌ صارمةٌ قاسية: هل تجِدُ نَزَعاتُ هذا العمرِ
مُستقرَّها دوْمًا؟ وهل هي حتمًا الأداةُ الفعّالةُ لبناءِ المجتمعِ الحضاريِّ
المتجدِّد؟ هل يحقُّ لتا أن نؤمنَ بها إيمانًا سحريًّا، ونرى فيها قِوّى لا بُدَّ
أن تتفتَّحَ لصالحِ المجتمع، مهما تكُنِ الطّروفُ المتحلِّقةُ حولَها، ومهما تكُنِ
الأشواكُ المفروشةُ في مسيرتِها؟ هل نطمئِنُّ ونُؤمنُ بأنَّ البراعمَ لا بُدَّ أن
تتفتَّح، وأنَّ الأزهارَ مثمرةٌ لا مَحالة، وأنَّ الأشواكَ والأعاصيرَ لن تكونَ
إلّا باعثاتٍ إلى المزيدِ من نُضْجِها واكنمالِها؟
5- لا جدالَ في أنَّ التّفكيرَ العلميَّ لن يسمحَ لنا بأن نذهبَ مِثْلَ هذه
المذاهبِ الحريريَّةِ المطمئِنّة. ولن نقبلَ في عصرِ العلمِ والتّخطيطِ والسّيطرةِ
المرسومةِ أن ننسى الاحتياطيَّ الهائلَ مِنَ الطّاقاتِ الشّابَّة، ونظنَّ أنَّ
معجِزَةَ الشَبابِ آتيَة، ولو لم نعملْ لها. بل علينا الاعترافُ بأنَّ سماتِ
عصرِنا الحاليِّ تتطلَّبُ أن يتوسَّلَ الدّراسَةَ والتّنظيمَ والتَخطيطَ لإيجادِ
مواطنَ للقوَّة، والسعيُ إلى امتلاكِ المستقبلِ وصياغتِه وقيادتهِ، وأنَّه علينا
السّعيُ ليكونَ لنا شأنٌ ونصيبٌ في صُنْعِ المستقبل، لا سيَّما في ظلِّ ما يُعرَفُ
بالدّراساتِ المستقبليَّة، التي تشغلُ الدّولَ الكبرى وتهدفُ إلى السّيطرةِ على
المستقبلِ في شتَّى مجالاتِه.
6- وإذا كنَّا، في عصرِ العلمِ والدّراساتِ المستقبليَّة، بحاجَةٍ إلى أن
نرسمَ صورةَ مجتمعِنا في ما يتَّصِلُ بالاقتصادِ والنّموِّ والتّقدُّمِ العلميّش
والتّقنيّ، فنحن أحْوَجُ إلى أن نرسمَ صورةَ هذا المجتمعِ في ما يتَّصِلُ بحياتِه
الاجتماعيَّةِ والفكريَّةِ والإنسانيَّة. وإذا كانَتِ الطّاقاتُ الزّراعيَّةُ
والصّناعيَّةُ وسائرُ الطّاقاتِ المادِّيَّةِ تَشْغلُنا، فالطّاقاتُ البشريَّةُ
والقدراتُ الإنسانيَّةُ لا بدّض أن تحتلَّ الصّدارةَ في مساعينا التّخطيطيَّةِ
والمستقبليَّة، على أنَّنا لن نريحَ شيئًا إذا خسِرْنا الإنسان، ولن نُنْقِذَ
قِطْميرًا(2) إنْ لم نُنقِذْ شبابَنا، ثروتَنا البشريَّةَ والفكريَّةَ
والرّوحيَّة، فنحن أوّلًا وآخرًا نطمحُ إلى أن نبنيَ حضارةً إنسانيَّةً جديرةً
بالإنسانِ وسعادتِه، لذلك منَ الواجبِ أن يكونَ همُّنا بناءَ الإنسان.
7- إنّ بناء الشّباب في عصرنا محفوف بالمخاطر، وإنّ الطريق إليه يزداد
تعقيدا يوما بعد يوم، ومعنى هذا أنّ الجَذْوة والموقدة في بناء مجتمعاتنا وحضارتنا
في مِحْنة وأزمة، وأنّ مستقبلنا كلّه في أزمة، ما دام الوقود لاهثا ومُهدِّدًا بالانطفاء.
عبدالله
عبد الدايم – "مجلَّة عالم المعرفة"
العدد
122 نيسان 1972
(بتصرّف)
(1)- أفولها: غيابها وزوالها (2)
قطمير: الشيء الهيِّن السّهل
في القراءة والتحليل
1- استخلصْ، بإنشائِكَ الشّخصيّ، المسالةَ التي يطرحُها
الكاتبُ في الفِقْرَتَيْن الأولى والثانيةِ منَ التّصّ.
2- أشارَ الكاتبُ في الفِقْرةِ الثالثةِ إلى "أنَّ
حيويّةَ المجتمعِ تُقاسُ بِمقدارِ ما يملكُ شبابهُ منَ التطلُّع". وضِّحُ
مفْهومَ التّطلُّع، وبيِّنْ علاقتَه بتجدُّدِ المجتمعاتِ.
3- تواترَتِ الجملُ الاستفهاميَّةُ بشكلٍ لافتٍ في
الفِقْرةِ الرابعة. بيِّن وظيفتها في السياق.
4- لخِّصِ الفِقْرةَ الخامسةَ بنسبةِ الثُّلُث، مراعيًا
أصولَ التلخيص.
5- عبَّرَ الكاتبُ في الفِقْرَةِ السادسةِ عن إيمانِه بالإنسانِ،
من خلالِ مواقفَ لافتة، وضِّحْ ذلك مبديًا رأيَك بإيجاز.
6- اضبطْ بالشكلِ أواخرَ الكلماتِ في الفِقرةِ السابعة.
(لا يُعَدُّ الضميرُ آخرَ الكلمة)
7- في النصِّ نفحةٌ أدبيَّة، أكِّدْ إجابتَكَ بأربع
سماتٍ فيه ومعزَّزةٍ بالشواهد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق