عرس في قرية شوفيّة لبنانيّة |
بينَ عُرسٍ وعُرسٍ
العروسُ
قصيرةُ القامةِ، بدينةُ الجسمِ، مُعوجَّةُ الساقَيْنِ قليلًا، وفي مِنخَرَيْها
بعضُ التضخُّمِ والارتفاعِ. تلبسُ ثوبًا أبيضَ تجُرُّ أذيالَهُ على الأرضِ. في
حركاتِها تكلُّفٌ بادٍ، وفي ابتساماتِها تصنُّعٌ ظاهرٌ. أشفقْتُ عليْها إذْ
إنَّ آلهةَ الجمالِ لمْ تُكرمْها بالكثيرِ منْ عطائِها.
والعريسُ
نافرُ البطنِ، بارزُ التقاطيعِ، على ملامِحِهِ بعضُ الخشونةِ. يشعرُ الناظرُ
إليْهِ أنَّهُ منْ حديثي النعمةِ، وأنَّهُ ربّما لمْ يدخلْ مدرسةً. تظهرُ
آثارُ الثقافةِ على وجهِهِ، غيرَ أنّي لمْ أرَها. عرفْتُ فيما بعدُ، أنَّهُ تاجرَ
بتهريبِ الأسلحةِ منْ بلدٍ إلى بلدٍ. وكانَ بينَ البلدينِ حربٌ داميةٌ قُتِلَ فيها
العديدُ منَ الأطفالِ والنساءِ والعُجَّزِ. وصاحبُنا يُقيمُ حفلةً حولَ البِركَةِ
في فندقِ "فينيسيا".
وأزياءُ
أقاربِ العريسِ والعروسِ منْ باريسَ. ولكنَّها لمْ تكنْ أزياءَ تتناسبُ معَ
أشكالِهم وحركاتِهم وتصرُّفاتِهم. كانوا غُرَباءَ عنْ باريسَ وعنْ زبائِنِ لبركةِ
الرابعةِ في فندقِ "فينيسيا". كنْتُ أحترمُهُم لوْ أنَّهُم جاؤوا منَ
القريةِ بأزيائِهِم، وبجمالِ بساطتِهِم، وبحقيقةِ ذواتِهِم.ولكنْ هوَ المالُ!
وحديثُ النعمةِ لا يدري، أحيانًا، ما يصنَعُهُ ليُعرِّفَ ذاتَهُ إلى المجتمعِ
الراقي.
وكانَ أسمجُ
منظرٍ منظرَ قصِّ الكعكةِ الهائِلَةِ في عُلُوِّها، البديعةِ في هندستِها. وجاءَ
خادمُ الفندُقِ بكرسيٍّ ليصعدَ عليْهِ العريسُ ويبدأَ بقصِّ الكعكةِ منَ القِمَّةِ
نزولًا إلى أسفلِ. وأخذَ ملعقةً، وأعطاها للعروسِ، إيذانًا للناسِ بِبَدْءِ
الأكلِ منَ الكعكةِ. ثمَّ تزاحمَ الأنسباءُ والأقاربُ في هجومِهِم على الكعكةِ.
ثمَّ طارَ الحمامُ الأبيضُ وصدحَتِ الموسيقى إيذانًا بالانصرافِ.
وأنا
أُشاهدُ هذا العرسَ الأوروبيَّ المُصطنعَ المفروضَ على أهالي قريةِ العريسِ
والعروسِ، مرَّ في خاطري جمالُ عرسِ القريةِ؛ هذا العرسُ البسيطُ الجمبلُ، العيدُ
الفَرِحُ الذي يشتركُ فيهِ سكّانُ القريةِ على طبيعتِهِم. وتخيَّلْتُ العروسَ
المُتورِّدةَ الخدَّيْنِ، الجميلةَ القامةِ، الخجولَ في نظراتِها، وهي راكبةٌ على
فرسٍ يقودُها عمُّها، يُطوِّفونَ بها في الأزِّقةِ المتعرِّجةِ إلى أنْ يصلوا بابَ
المُصَلّى. ويعودونَ بها في طُرُقٍ وأزقّةٍ أُخرى، ليراها جميعُ سكّانِ القريةِ،
إلى بيتِ العريسِ. وأمُّ العريسِ أعدَّتْ لهم ما هو أشهى وأطيبُ منْ حلوياتِ
"فينيسيا" ومشروباتِهِ. أعدَّتْ لهم شرابَ البنفسجِ، والوردِ، وماءَ
الزهرِ! وبعدَ أنْ يكونَ الناسُ قدْ غنَّوْا، ورقصوا، وشربوا كأسَ العريسِ
والعروسِ، يقومونَ إلى مائدةٍ عليْها ديكٌ محشوٌّ – وفي الحشوةِ صَنَوْبَرٌ كبيرٌ-
وطنجرةُ فاصوليا بِلَحْمٍ، قُبالَتَها طنجرةُ أرُزٍّ.
سوانحٌ من تحتِ الخرّوبةِ – أنيس فريحة – بتصرّف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق