مارون عبّود |
وجهٌ مَقيتٌ
ما رأَتْ عَيْني مِثلَهُ رجلًا. لو تَراهُ
يَمشي على الرصيفِ، وفي يدِهِ عصًا يَتَوَكَّأُ عليها بِعَظَمَةٍ وَجَبَروتٍ(1)،
لَحَسَبْتَهُ ساحرًا من بَقايا زمنِ عِبادةِ العجلِ وَالأَفعى. شَعْرٌ مُثَنَّى(2)
و مُرْسَلٌ(3) كما قالَ امرؤُ القيسِ*.
وعينانِ ساهيتانِ تحلمانِ باللا شَيء.
وُجِدَ على الأرضِ منذُ ثلاثينَ عامًا.
أسمرُ مربوعٌ، على كرسيِّ خدِّهِ خالٌ(4) أشْعَرُ تحسبُهُ
شاربًا، مغترٌّ بجماله يظنُّ أنَّهُ فِلقهُ قمرٍ. يؤمِنُ بملكوتِ الأدبِ ويَرجو
الخلودَ فيهِ، فهو في عينِ نفسِهِ إحدى فَلتاتِ الزَّمانِ.
عرفْتُهُ مساءَ يومٍ، معرفةِ وجهٍ، فما
أصبحَ حتَّى شنَّ عليَّ غارةً ، فيها شِعرٌ وفيها نثرٌ، ٌقصصٌ، وقَصائدُ. إنْ رأى
مَعَّازًا أو بَقَّارًا أو فَلاّحًا ابْتَسَمَ لَهُ وحَيَّاهُ تحيَّةَ صبٍّ(5)
مشتاقٍ، حتّى إذا اسْتَأْنَسَ بهِ انهالَ عليهِ بأسواطِ منظومةٍ ومنثورةٍ. يطمعُ
في أن تَعُمَّ شهرتُهُ جميعَ الطبقاتِ.
تقرأُ على مسامِعِهِ قصيدةً لأَعظمِ شاعرٍ فيَفْتَرُّ
عن أسنانٍ مُصْفَرَّةٍ، وَلِثَةٍ مزرقَّةٍ، ويقولُ بكلِّ
وقاحةٍ: منو المتنبّي** (من هو)؟ ومنو شكسبير***؟
ألَيْسَا بَشَرًا مثلَنا؟ مؤمنٌ بأَنَّهُ من عباقرةِ الشرْقِ العربيِّ، وَيَرْجو
أَن تُنصِفَهُ الذُّرِّيَّةُ الّتي تُربّي تربيةً حديثةً. أمّا مُعاصِرُوهُ
فَجلُّهمْ حُسَّادٌ. لا يَستَقِرُّ إِنْ جَلَسَ، فهوَ يَتَفَنَّنُ في جلستِهِ
كأَنَّهُ أمامَ مصوِّرٍ، وكثيرًا ما يدعمُ ذقنَهُ بإبهامِهِ، ويَثْني
السَّبَّابَةَ على شفتيهِ فَيُغَطِّي بها السُّفلى وَيَسْنُدُ العليا.
مارون عبّود
"وجوه وحكايات" (بتصرّف)
(1) جَبَروت:
سلطة وعظمة \ (2) مُثَنَّى: مجعّد \ (3) مُرْسَلٌ: متروك يتدلّى على الكتفين \ (4)
خالٌ: شامة ذات شعر \ (5) صبٍّ: عاشق وَلْهان \ * امرؤ القيس: شاعر من شعراء العرب في
الجاهليّة \ **المتنبّي: أعظم شعراء العرب \ ***شكسبير: شاعر
مسرحي انكليزيّ في مصاف رجال الأدب العالميّ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق