تواصل تباعديّ
بمقدار ما ساهمت التّكنولوجيا
المعاصرة ووسائل التّواصل الاجتماعيّ في تقريب المسافات بين البشر جاعلة الكوكب
قرية صغيرة كما يقال، أدّت إلى تقلّّص فرص اللّقاء الإنسانيّ المباشر بحيث باتت
حاجة الكائن البشريّ إلى اللّقاء وجهًا لوجه أقلّ بكثير من السّابق.
هذه الوقائع المستجدّة في
حياة البشر تساهم تدريجًا في تغيير الكثير من العادات والطّقوس، ولعلّ أبرز
المتراجعين هو البريد العاديّ الّذي كان سابقًا الوسيلة المثلى لتبادل الرّسائل.
اليوم لم يعد انتظار ساعي البريد بلهفة وشغف جزءًا من يوميّاتنا ، أمّا الرّسائل
فصارت تنتقل بسرعة البرق بواسطة الميديا الحديثة، صارت الضّيعة القريبة أكثر قربًا
بالمعنى التّكنولوجيّ، لكنّها أكثر بعدًا بالمعنى الإنسانيّ.
لعلّ مناسبات الأعياد أكثر ما
تكشف حجم التّغيير الّذي طرأ على طبيعة التّواصل بين البشر. في السّابق كانت
الأعياد فرصة لتبادل الزّيارات والإطمئنان إلى حال الأقرباء والأصدقاء، ومَن لا
يستطيع الزّيارة كان يستعيض عنها بإرسال باقة ورد أو علبة حلوى أو مجرّد بطاقة
معايدة، واللّحظة الأمتع كانت لحظة الكتابة على البطاقة المنتقاة. فالجمل المكتوبة
بخطّ اليد لا تعوّضها أيّ من تلك المكتوبة مسبقًا على بطاقات افتراضيّة يتمّ
إرسالها إلكترونيًّا بالإيميل أو بالواتس آب.
الميديا الحديثة ساهمت أيضًا
في تقليص مساحة الكلام بين النّاس، بل اخترعت شكلاً للكلام مختلفًا وجديدًا، لم
يعد الكائن البشريّ محتاجًا إلى لسانه وشفتيه لينطق بكلمة حبّ أو صداقة، حلّت
الأصابع مكان الشّفاه، حلّت الثّرثرة بالأنامل مكان الثّرثرة بالشّفاه!
زاهي وهبي
جريدة "الحياة"
25 أكتوبر2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق