سياسة قسم اللغة العربيّة

الجمعة، 3 نوفمبر 2017

البطّتانِ والسلحفاة


البطّتانِ والسلحفاة
       زَعموا أنَّ هَديرًا كانَ عندَهُ عشْبٌ. وَكانَ في الغديرِ سلحفاةٌ، بينَها وَبينَ البطّتينِ مودّةٌ وَأُلْفَةٌ وَصداقةٌ.
       فَنقصَ يومًا ماءُ ذلِكَ الغديرِ نُقصانًا كبيرًا. فَلَّما رأَتِ البطّتانِ نُقصانَ الماءِ قالَتا: "يَنبغي لَنا تركُ هذا الغديرِ وَالتحوّلُ منْهُ"؛ فَجاءَتا ليلًا لِوداعِ السلحفاةِ، وَقالَتا: "السلامُ عليْكِ، فَإنَّنا ذاهبتانِ عنْ هذا المكانِ لِأجلِ نقصانِ الماءِ عنْه". فَقالَتْ :" إنَّما يَبينُ نقصانُ الماءِ على مِثْلي؛ فَإنّي كَالسفينةِ لا أقدرُ العيشَ إلّا بِالماءِ. فَأمّا أنتُما فَتقدرانِ على العيشِ حيثُ كنتما. فَانْطلقا بِي   انطلاقًا سريعًا معَكُما". قالَتا لَها: "نعمْ". قالَتْ: "كيفَ السبيلُ إلى حَمْلي؟". قالَتا: "نأخذُ بِطَرَفَيْ عودٍ، وَتقبِضينَ بِفيكِ على وسطِهِ، وَنطيرُ عاليًا بِكِ في الجوّ. وَإيّاكِ، إذا سمعْتِ الناسَ يتكلّمونَ كلامًا  قاسيًا عنْكِ، أنْ تنطُقي". ثمَّ أخذَتاها فَطارَتا بِها في الجوِّ. فَقالَ الناسُ:" عَجَب. سُلحفاةٌ بينَ بطّتينِ، قَدْ حملَتاها". فَلمّا سمعَتْ ذلكَ قالَتْ: فَقَأَ اللهُ أعينَكُم أيُّها الناس".
       فَلمّا فتحَتْ فاها بِالنُّطْقِ وقعَتْ على الأرضِ وَماتَتْ.
ابن المقفّع "كليلة ودمنة"

-       بتصرّف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق