الاغتراب اللبنانيّ
هناكَ،
وعلى وجهِ التقديرِ، نحوَ خمسةَ عشرَ مليونَ شخصٍ، منْ أصلٍ لبنانيٍّ في العالم، وَعددٌ
كبيرٌ منهم يتبوّأُ مراكزَ مهمّةً وَقياديّةً في عالمِ العلمِ والطبِّ والسياسةِ
والمالِ والتجارةِ والفنِّ والرّياضةِ. أينَما تذهبُ في العالمِ تَرَهمْ كلَّهم
عيونًا شاخصةً إلى هذهِ البقعةِ الصغيرةِ منَ الأرضِ، التي هيَ الوطن، وإلى هذه
القرى والمدنِ المُنتشرةِ هنا وهناكَ على قِمَمِ الجِبالِ وسفوحِها، وكأنْ ليسَ
هناك في العالمِ مدنٌ أو قرى أخرى. إنَّ هؤلاءَ اللبنانيّينَ همْ آبارُ النفطِ
الحقيقيّةِ، التي يمتلكُها لبنانُ، إذْ إنَّ الثروةَ الحقيقيّةَ تكمنُ في الإنسانِ
وَليسَ خارجَهُ. وأعظمُ ثروةٍ يمتلكُها لبنانُ هي الثروةُ التي لديْهِ في
الانتشارِ في العالمِ، وَيؤسفُني القولُ: إنَّ هذه الثروةَ لمْ تُستكشفْ ولم
تُستعملْ بعدُ.
إنَّ اللبنانيّين المنتشرين في العالمِ
هم طاقةٌ لا حدودَ لَها، وَالوقتُ مناسبٌ اليومَ في توظيفِها في صنعِ لبنانَ
الحديثَ، منْ دونِهم لا يكون لبنانُ لبنانَنا، ودونَهم لا يرتفعُ لبنانُ إلى
العَظَمةِ.
إنَّ الشعبَ اللبنانيَّ ليسَ الشعبَ المُقيمَ في لبنانَ فَحسبُ، بلْ يشملُ أيضًا الكثيرَ منَ اللبنانيّين المقيمين خارجَهُ. إنَّ الشعبَ اللبنانيَّ هو كلُّ منْ يحملُ الجنسيّةَ اللبنانيّةَ، أوْ منْ يحقُّ لَهُ حملَها، إنْ كانَ مُقيمًا في الوطنِ الأمِّ أوْ خارجَهُ. وَهنا أودُّ أنْ أتوجّهَ إلى اللبنانيّين المُقيمين والمُنتشرين فأقولُ لهم:
إنَّ الشعبَ اللبنانيَّ ليسَ الشعبَ المُقيمَ في لبنانَ فَحسبُ، بلْ يشملُ أيضًا الكثيرَ منَ اللبنانيّين المقيمين خارجَهُ. إنَّ الشعبَ اللبنانيَّ هو كلُّ منْ يحملُ الجنسيّةَ اللبنانيّةَ، أوْ منْ يحقُّ لَهُ حملَها، إنْ كانَ مُقيمًا في الوطنِ الأمِّ أوْ خارجَهُ. وَهنا أودُّ أنْ أتوجّهَ إلى اللبنانيّين المُقيمين والمُنتشرين فأقولُ لهم:
أوّلًا،
باسمِ الأرضِ التي تضمُّنا إلى صدرِها، والألمِ الذي تعمَّدْنا
بِهِ كلُّنا، تعالَوا نرتفعُ عنِ الصغائرِ التي تُغرقُنا، وتُبعدُنا عنْ مستوى
الوطنِ الذي يليقُ بِنا. تعالَوا نعبرُ منَ الطائفيّةِ التي كانَتْ سببًا لِتخلُّفِنا،
إلى الوطنيّةِ التي ستكونُ سببًا لِتقدّمِنا. نحنُ منْ هنا، نحنُ منْ لبنانَ، وما
همُّ إنْ كنّا منْ شمالِهِ أو جنوبِهِ أو كنّا منْ مسلميهِ أو مسيحيّيهِ.
ثانيًا،
إنَّ قوّتَنا تكمُنُ في وحدتِنا. وَها نحنُ اليومَ لا نزالُ مفتّتينَ بينَ مسلمينَ
وَمسيحيّينَ، بينَ يمينيّينَ ويساريّين، بينَ سياديّين وعروبيّين. قدْ نختلفُ على
أمورٍ كثيرةٍ، وهذا طبيعيٌّ، ولكنْ يجبُ أنْ نتذكّرَ دائمًا أنَّ ما يجمعُنا أكبرُ
بكثيرٍ ممّا يفرّقُ بينَنا. وهل هناكَ شعبٌ واحدٌ في العالمِ يتّفقُ على كلِّ شيءٍ؟
نحنُ اللبنانيّين المنتشرين في العالمِ، وإنْ لم نتعلّمْ شيئًا منَ الحضاراتِ التي
نعيشُ فيها، لقد تعلَّمْنا أنَّ الشعبَ قد يختلفُ على أمورٍ كثيرةٍ إلّا أنَّهُ لا
يختلفُ على مساواةِ الجميعِ أمامَ القانونِ. وَإنَّ قيمةَ الإنسانِ الفردِ ليسَتْ
بِانتمائِهِ إلى طائفةٍ معيّنةٍ أو عائلةٍ محدّدةٍ بلْ بقدرتِهِ على العطاءِ
والإنتاجِ. وَيجبُ أنْ نتعلّمَ، إنْ لمْ نكنْ قدْ تعلّمْنا، أهميّةَ احترامِ
الرأيِ المُخالفِ. نحنُ رُسُلُ حضارةٍ وعليْنا وعْيُ أنَّ الإختلافَ في الرأيِ،
سياسيًّا كانَ أم غيرَ سياسيٍّ يجبُ ألّا يقودَ إلى العداءِ.
أمرٌ واحدٌ مقدّسٌ، لا يخضعُ لِلحوارِ: " إنَّ لبنانَ وطنٌ
نهائيٌّ لِجميعِ أبنائِهِ ". وَإيّاكم أنْ تدعوا الماضي يسجنُكم. ليسَ مهمًّا أنْ نعرفَ منْ
أينَ جئْنا بِقدْرِ ما هوَ أهمُّ وهو أنْ نعرفَ إلى أينَ نحنُ ذاهبون. وقد يكونُ
ماضينا متعدّدًا إلّا أنَّ مستقبلَنا، وَبِكلِّ تأكيدٍ، هوَ واحدٌ.
ثالثًا، أنتم أبناءُ حضارةٍ فريدةٍ في العالمِ
وفي التاريخِ، حضارةٍ تؤمنُ بمحبّةِ الأرضِ والتعلّقِ بِالأهلِ والأصدقاءِ، حضارةٍ
تؤمنُ بقدسيّةِ البيتِ وقدسيّةِ الوالدَينِ، حضارةٍ تؤمنُ بالعائلةِ والصداقةِ
والحنانِ والنخوةِ والكرمِ والشهامةِ والنبلِ والوفاءِ. هذهِ قيمٌ نحنُ مؤتمنونَ
عليْها، إذا ماتَتْ يموتُ الإنسانُ، وَإنّني لَأخافُ أن يأتيَ يومٌ، في هذا الزحفِ
المادّيِّ ضدَّ الحضارةِ، أنْ يفتّشَ أولادُنا عنْ كلمةِ النبلِ ومعناها في
القاموسِ فَلنْ يجدوها. منْ هنا ندعو إلى إحياءِ هذا التراثِ العظيمِ خدمةً
لَنا وَلِلعالمِ كلِّهِ. لِذلك ندعو الدولةَ اللبنانيّةَ وسفاراتِها في الدولِ المضيفةِ إلى
تشييدِ المدارسِ الوطنيّةِ لِتعليمِ اللغةِ العربيّةِ وَآدابِها وَبناءِ الأنديةِ
لِجمعِ الشملِ وَإحياءِ التراثِ. إنَّ تعليمَ أبنائِنا في المهجرِ اللغةَ العربيّةَ
هوَ مسؤوليّةٌ قوميّةٌ لِلحفاظِ على التراثِ.
رابعًا، يجب أن نعترف أمام الأرض والسماء بأنّ
الحرب كانت مسؤوليّتنا وأنّها لم تكن
"حروب
لآخرين" لو لم نخفق نحن، منذ الإستقلال في بناء الدولة.
وكذلك يجب أن نعترف اليوم بأنّ مسؤولية صنع السلام هي مسؤوليّتنا
أيضًا. فالشعوبُ التي لا تصنعُ تاريخَها تبقى خارجَ التاريخِ. وها نحنُ
اليومَ، مُقيمين ومنتشرين، أمامَ فرصةٍ تاريخيّةٍ قد لا تعودُ ثانيةً، فرصةٍ لِبناءِ
لبنانَ جديدٍ، لبنانَ الذي كانَ يجبُ أنْ يُبنى منذُ نصفِ قرنٍ.
البروفيسور
فيلب سالم – جريدة النهار اللبنانيّة 2005 (بتصرّف)
أولاً: في الفهم والتحليل (إحدى عشرة علامة)
1-
إنطلاقًا منَ الحاشيةِ، ضعِ النصَّ في
إطارِهِ. (2)
2-
اشرحْ في سياقِ النصّ العبارتين الآتيتين:
أن تدعوا الماضي يسجنكم - باسم الأرض التي تضمّنا إلى صدرها. (1)
3- عيّنِ المرسِل والمرسَل إليه، ثمّ استنتجْ
وظيفةَ الكلامِ الأساسيّة. (1)
4-
ما المشاكلُ التي اعتبرَها الكاتبُ في
القسمِ الثاني سببًا لخرابِ لبنان. هل تؤيّدُه في ذلك؟ (2)
5-
وضِّحْ دلالةَ كلّ من أدواتِ الرّبطِ
المُشار إليها بخطّ في النصّ. (1)
6-
عيّنْ نوعَ النصّ، ثمّ استخرجْ له
خاصّتين اثنتين. (2)
7-
اضبطْ أواخرَ الكلماتِ في ما يأتي: (2)
يجب أن نعترف أمام الأرض والسماء بأنّ
الحرب كانت مسؤوليّتنا وأنّها لم تكن
"حروب
لآخرين" لو لم نخفق نحن، منذ الإستقلال في بناء الدولة.
وكذلك يجب أن نعترف اليوم بأنّ مسؤولية صنع السلام هي مسؤوليّتنا
أيضًا.
ثانيًا: في التعبير الكتابيّ )تسع علامات)
أُقرَّ مؤخَّرًا مشروع استعادة الجنسيّة
للمغتربين ذوي الجذور اللبنانيّة. كيفَ تقيّمُ هذه الخطوةَ؟ ما آثارُها السلبيّة؟
ما آثارُها الإيجابيّة؟ سمِّ قانونًا تتمنّى أن تُقرَّهُ الدولةُ، شارحًا لماذا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق