سلام الراسي شيخ الأدب الشعبيّ اللبنانيّ |
إذا وقَعَ القدر عَمِي البصر
يُحكى أنَّ سيدنا سليمان عليه السلام، الذي أعطاه الله عز وجل موهبة التكلم
مع الطيور وفهم لغاتهم، كان قد صادق نسرًا عظيمًا، هو ملك طيور زمانه، وكان يركب بين جناحيه،
فيطير به أجزاء مملكته، كلما أراد التنزه أو الاستكشاف.
وفيما كان النسر محلقًا به أحد الأيام، سأله عما يرى تحته، فقال سليمان:
"إني أرى هيكلي العظيم والناس يدخلون ويخرجون".
ثمّ حلّق به عاليًا وسأله
مرة ثانية عمّا يرى، فقال: "إني أرى مدينة القدس مثل رجمة من الحجارة، ولا
أميّز هيكلي من سواه".
ثمّ انطلق النسر إلى أعالي
الجوّ وسأله عمّا يرى، فقال سليمان: "إنّي لم أعد أرى شيئًا" فضحك النسر
وقال: "ولكنني أرى كلّ شيء على وجه الأرض، إلى درجة أنني أرى الآن، فيما أرى،
بالقرب من إحدى الأشجار في جبل الزيتون، نملتين تتقاتلان على حبة من الحنطة".
فقال سليمان: "يا
للعجب! أيمكن أن يكون هذا ممكنًا، أنزلني إذن هناك لأرى بعيني فأصدّق كلامك".
فهبط النسر بسليمان إلى حيث
أراه النملتين وحبّة الحنطة التي كانتا لا تزالان تتنازعانها تحت شجرة الزيتون،
فذهل سليمان وأخذ يثني على صديقه النسر ويهنئه على ما حباه الله به من مميزات دون
سائر المخلوقات، فجعله بحق سيّد الجوّ وملك المجنّحات.
فرنّح الغرور عندئذ أعطاف
النسر وأخذ يختال تيها واعتدادًا، ولم ينتبه لشرك كان منصوبًا أمامه، فلم يلبث أن
وقع فيه وصاح: "بالله عليك أنقذني يا صديقي العزيز".
فابتسم سليمان وقال له: "كيف قدرت، وأنت في أعالي
الجو، أن ترى النملتين وحبّة الحنطة، ولم تقدر الآن، وأنت على الأرض أن ترى هذا
الشّرك المنصوب أمامك؟"
فأجاب النسر: "إذا وقع
القدر عمي البصر". وجرى كلام النسر مثلًا منذ ذلك الزمان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق