جبران خليل جبران |
الشاعر
حلقة تصل بين العالم والآتي. منهل عذب
تستقي منه النفوس العطشى. شجرة مغروسة على ضفّة نهر الجمال ذات ثمار يانعة تطلبها
القلوب الجائعة. بلبل يتنقّل على أغصان الكلام وينشد أنغامًا تملأ خلايا الجوارح
لطفًا ورقّةً. غيمة بيضاء تظهر فوق الشفق ثمّ تتعاظم وتتصاعد حتّى تملأ وجه السماء
وتنسكب لتروي أزهار حقل الحياة. ملك بعثته الآلهة ليعلم الناس الإلهيات. نور ساطع
لا تغلبه ظلمة ولا يخفيه مكيال، ملأته زيتًا عشتروت إلهة الحبّ وأشغله آبولون إله
الموسيقى.
وحيد يرتدي البساطة ويتغذّى اللُطف ويجلس
على أحضان الطبيعة ليتعلّم الابتداع ويسهر في سكينة الليل منتظرًا هبوط الروح.
زرّاع يبذر حبّات قلبه في رياض الشواعر، فتنبت زرعًا خصيبًا تستغلّه الإنسانيّة
وتتغذّى به.
هذا هو الشاعر الّذي تجهله الناس في حياته
وتعرفه عندما يودع هذا العالم ويعود إلى موطنه العلويّ. هذا الّذي لا يطلب من
البشر إلاّ إبتسامة صغيرة والّذي تتصاعد أنفاسه وتملأ الفضاء أشباحًا حيّة جميلة
والناس تبخل عليه بالخبز والمأوى.
فإلى متى أيّها الإنسان، إلى متى أيّها
الكون تقيم من الفخر بيوتًا للألُى جبلوا أديم التراب بالدماء، وتعرض بتهامل عن الّذين يهبونك من محاسن أنفسهم سلامًا ووداعة؟ وحتّامَ
تعظم القتلة والّذين حنوا الرقاب بنير الاستعباد وتتناسى رجالاً يسكبون نور
الأحداق في ظلمة الليل ليعلّموك أن ترى بهاء النهار ويصرفون العمر بين مخالب
الشقاء كيلا تفوتك لذّة السعادة؟
وأنتم
أيّها الشعراء، يا حياة هذه الحياة، قد تغلّبتم على الأجيال قسرًا عن قساوة
الأجيال، وفزتم بأكليل الغار غصبًا عن أشواك الغرور، وملكتم في القلوب وليس لملككم
نهاية وانقضاء، يا أيّها الشعراء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق