من اليمين: ميخائيل نعيمه، عبد المسيح حدّاد ، جبران خليل جبران، نسيب عريضة من شعراء الرابطة القلميّة |
شعراء المهجَر
لو تخيّل
الخليل أنّ الأوزان الّتي نظّم عقودها وأحكم أوصالها ستصير مقياسًا لفضلات القرائح
وخيوطًا تعلّق عليها أصداف الأفكار لنثر تلك العقود وفصم عرى تلك الأوصال.
ولو تنبّأ
المتنبّي وافترض الفارض أنّ ما كتباه سيصبح موردًا لأفكار عقيمة ومقودًا لرؤوس
مشاعير يومنا لهرقا المحابر في محاجر النسيان وحطّما الأقلام بأيدي الإهمال.
ولو درت
أرواح هوميروس وفرجيل وأعمى المعرّة وملتون أنّ الشعر المتجسّم من النفس المشابهة
الله سيحطّ في منازل الأغنياء لبعدت تلك الأرواح عن أرضنا واختفت وراء السيارات.
ما أنا من
المتعنّتين، لكن يعزّ عليّ أن أرى لغة الأرواح تتناقلها ألسنة الأغنياء، وكوثر
الآلهة يسيل على أقلام المدّعين، ولست منفردًا في وهدة الاستياء بل رأيتني واحدًا
من كثيرين نظروا الضفدع تنتفخ تمثلاً بالجاموس.
الشعر يا
قوم روح مقدّسة متجسّمة من ابتسامة تحيي القلب أو تنهدة تسرق من العين مدامعها.
أشباح مسكنها النفس وغذاؤها القلب ومشربها العواطف، وإن جاء الشعر على غير هذه
الصور فهو كمسيح كذّاب نبذه أوقى.
فيا إلهة
الشعر، يا أدانو، اغتفري ذنوب الألى يقتربون منك بثرثرة كلامهم ولا يعبدونك بشرف
أنفسهم وتخيّلات أفكارهم.
ويا أرواح
الشعراء الناظرة إلينا من أعالي عالم الخلود، ليس لنا عذر لتقدّمنا من مذابح
زيّنتموها بلآلى أفكاركم وجواهر أنفسكم سوى أنّ عصرنا هذا قد كثرت فيه قلقلة
الحديد وضجيج المعامل فجاء شعرنا ثقيلاً ضخمًا كالقطارات ومزعجًا كصفير البخار.
وأنتم
أيّها الشعراء الحقيقيّون سامحونا، فنحن من العالم الجديد نركض وراء المادّيّات،
فالشعر عندنا صار مادّة تتناقلها الأيدي ولا تدري بها النفوس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق